قبل نحو مئتي عام، نهض أهالي وادي السرح الممتد من وادي سرف (النوارية)..فأنشؤوا حمى على شكل أحزمة صخرية من وسطه وأطرافه لحماية الغطاء النباتي من الرعي الجائر، ومنعوا قطع الأشجار منعًا باتًا، حفاظًا على الحياة البرية والتوازن البيئي. وقد أشار ياقوت الحموي في “معجم البلدان” إلى وادي سَرِف ضمن مادة (سرف)، وذكر حمايته.. ووادي السرح يُعدّ جزءًا من وادي سرف الواسع .
وفي هذا العام 2025م، بعد مرور ٢٠٠سنة على حمايته ومع بدء أعمال التبتير تمهيدًا لتقسيمه سوف نحاول تقديم قراءة تاريخية بيئية مختصرة قد تكون الأخيرة.
وقد يسّر الله لي زيارة هذا الوادي في اليوم الثالث من شهر شوال عام 1446هـ، بدعوة كريمة من بعض الأهالي. فرأيت الوادي في أجمل حلله، بطبيعته الخلابة التي تأسر النفوس، وأثلج صدري أنهم ما زالوا على ثقة، ولم يفقدوا الأمل، ولا يزالون يعملون مجتمعين، بنشاط وتماسك، لحماية الوادي من التعديات والتلوث.
وقد أراني بعضهم بقايا جدران صخرية، قالوا إنها من آثار الحمى القديمة، وتمكّنا من تصويرها، ويُقدَّر عمرها بما يزيد عن مئتي عام أو أكثر.
وللامانة فلقد بذل أهل الوادي اليوم أيضا جهودا استثنائية لحمايته مستثمرين إرثهم الثقافي والتراثي، في سبيل الحفاظ على بيئته نقية، بعيدة عن التدمير .
وقد تولّى بعض الشباب مشكورين توثيق طبيعة الوادي ونباتاته ونظامه البيئي وجهود المجتمع المحلي في حمايته، فجزاهم الله خيرًا.
ومع البدء في تنفيذ البنية التحتية خلال الأشهر القادمة، قد يتعرض نحو ٣٠ نوعا من النباتات للاندثار، كما قد تختفي مساحة تُقدّر بأربعة ٤كم٢ من أرض الوادي وأطرافه ومعها مئات الأشجار البرية وإن كنا نرجو أن تتغير الأمور للأفضل.
وهو ما دفعنا لتحرير هذه القراءة.
ولا يفوتنا أن نثمّن الجهود الكبيرة التي يبذلها المركز الوطني لحماية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر إلى جانب المركز الوطني لمراقبة الالتزام البيئي..، وهم يتابعون كل ما قد يهدد البيئة والأغطية النباتية من انشطة بشرية مضرة أو مشاريع وبنية تحتية تؤثر على النظام البيئي.. ولن يبخلوا بوقت وجهد لدراسة هذا الموقع النباتي وإعادة تقييمه وتوثيقه قبل بدء بنيته التحتية.. فلحسن الحظ ما زال يحتفظ بكامل نظامه البيئي ونتوقع منهم توثيقه بيئيا ونباتيا.





