مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُرْزَقَ بِالذُّرِّيَّةِ، وَلَا تَكْتَمِلُ النِّعْمَةُ إِلَّا بِصَلَاحِهِمْ.
ويقولُ الشَّاعِرُ:
نِعَمُ الإِلَهِ عَلَى الْعِبَادِ كَثِيرَةٌ * وَأَجَلُّهُنَّ هِدَايَةُ الْأَوْلَادِ
وَلَا شَكَّ أَنَّ الدُّعَاءَ لِلأَبْنَاءِ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الصَّلَاحِ.
فَإِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- دَعَا رَبَّهُ، فَقَالَ:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100].
قال ابن كثير -رحمه الله-: سأل ربه “أولادًا مطيعين عِوَضًا من قومه وعشيرته الذين فارقهم”، فقال الله -تعالى-:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101].
وهذا الغلام هو إسماعيل -عليه السلام-.
وزَكَرِيَّا -عليه السلام- دَعَا رَبَّهُ، فَقَالَ:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}.
وقال أيضًا:{رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)} [مريم: 4 – 6].
فَاسْتَجَابَ اللهُ لَهُ، فَقَالَ -تَعَالَى-:
{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39].
قال البغوي -رحمه الله-: «دعا زكريا ربه فدخل المحراب، وغلق الأبواب، وناجى ربه: {رَبِّ} أيْ يا رب {هَبْ لِي}؛ أعطني {مِنْ لَدُنْكَ}؛ أي: من عندك {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}؛ أي ولدًا مباركًا تقيًّا صالحًا رضيًّا، {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}؛ أي: سامعه، وقيل: مجيبه».
وقال ابن سعدي -رحمه الله-: «دعا زكريا -عليه السلام- ربه أن يرزقه {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}؛ أي: طاهرةَ الأخلاق، طيبةَ الآداب، لتَكْمُلَ النعمةُ الدينيةُ والدنيويةُ بهم؛ فاستجاب له دعاءه».
ومن صِفَاتِ عبادِ اللهِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أَنْ يُقِرَّ أَعْيُنَهُمْ بِصَلَاحِ ذُرِّيَّاتِهِمْ، وَأَنْ يَكُونُوا طَائِعِينَ صَالِحِينَ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
وذكر القاسمي -رحمه الله- أنهم سألوا الله -تعالى- أولادًا وحَفَدةً تَقِرُّ بهم العيون، وتسرُّ بمكانهم الأنفس؛ لحيازتهم الفضائل، واتصافهم بأحسن الشمائل.
وجاءت السُّنَّةُ بالحَثِّ على الدُّعاء للأبناء.
فعن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ:«ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ لَا تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ».
وكان الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ -رحمه الله- يقول:«اللَّهُمَّ إِنِّي عَجَزْتُ عَنْ إِصْلَاحِ وَلَدِي فَأَصْلِحْهُ لِي».




