بعض الأشخاص يدخلون حياتنا في لحظة غير متوقعة، دون إعلان مسبق أو وعد بالبقاء. لا نعرف تمامًا لماذا جاؤوا، ولا إلى متى سيظلون، لكنهم يحملون معهم شيئًا لا يمكن تفسيره: لطفًا، حكمة، أو طمأنينة عابرة تأتي في الوقت الذي نحتاجه دون أن نطلبه. نحاول أحيانًا التمسك بهم، نرغب في إطالة عمر العلاقة، وإعادة خلق الظروف التي جمعتنا بهم، لكننا نغفل عن حقيقة أن بعض العلاقات لم تُخلق لتعمر، بل لتوقظ.
هؤلاء الأشخاص ليسوا قدرًا، بل إشارة. ليسوا مصيرًا، بل درسًا. دورهم ليس البقاء إلى الأبد، بل إيقاظ شيء داخلنا، وتعليمنا شيئًا يبقى معنا. يكفي أن ننتبه، أن نستوعب الرسالة التي جاؤوا بها، ثم نتركهم يمضون دون مقاومة. الغريب أن أثرهم لا يزول، بل يكبر معنا كلما تقدمنا في الحياة. نسترجع كلماتهم في اللحظات الصعبة، ونقارن تصرفاتنا بما تعلمناه منهم. قد لا نسمع صوتهم من جديد، لكننا نسمع صدى وجودهم في أعماقنا، يذكرنا بقوتنا حين نكون على وشك التراجع، وبأننا محبوبون حتى في أكثر لحظاتنا هشاشة.
شكرًا لأولئك العابرين الذين لم يأتوا ليبقوا، بل جاؤوا ليتركوا فينا شيئًا لا يشيخ. شكرًا لمن لمسوا أرواحنا بلطف، ثم مضوا بصمت، تاركين وراءهم أثرًا لا يُرى، لكنه يُشعر في كل خطوة نخطوها بعدها. شكرًا لأنهم عبروا، ولو لوقت قصير، وغيروا فينا ما لم تستطع الأيام تغييره. إنهم النور الخافت الذي يضيء دروبنا، والدرس الصامت الذي يعيش في قلوبنا إلى الأبد.





