في ركنٍ هادئ من الذاكرة، هناك خمسة وجوه لا تغيب…
خمس أرواح ساكنت قلبي منذ بداية العمر،
لم تخترهنّ، ولم يخترنك…
لكن الله وضعهن في طريقك مبكرًا، وكأن الحياة أرادت أن تعلّمك كيف يكون الأمان، دون أن تنطقه.
مع مرور السنوات، أدركت أن هناك حبًا لا تصنعه الكلمات، ولا يفسده البعد، ولا تتغير نبرته مع الزمان…
حبًا ثابتًا، مثل جذورٍ نبتت في أعماقك، لا تُرى، لكنها ما تبقيك واقفًا.
تلك الأرواح الخمس…
لا يشبهن أحدًا، ولا يشبهن بعضهن،
لكل واحدة حكاية، وطبع، ودفء خاص لا يشبه إلا هي.
واحدة تنصت لك بقلبها لا بأذنيها،
وأخرى تبالغ في قلقها كأنك جزء من نفسها،
وثالثة تضحك حين تراك تضحك، ولو كانت تتألم،
ورابعة تعرف كيف ترفعك حين تتكسر، دون أن تُشعرك أنك سقطت،
وخامسة… كأنها دعاء يمشي على الأرض، لا تتركك مهما ابتعدت.
هنّ الأمان إن ضاقت الدنيا،
والملاذ إن اختنقت الروح،
والماء العذب حين يجفّ فيك كل شيء.
معهن، لا حاجة للتجمُّل، ولا للبحث عن أعذار.
في عيونهن، أنت كما أنت…
محبوبٌ بضعفك، مرفوعٌ بجراحك،
ومغفورٌ لك كل تقصير، لأنك ببساطة… من قلبهن.
هنّ التفاصيل التي تمر في يومك دون أن تنتبه لثمنها…
ضحكة على الهاتف، نصيحة في وقت ضياع،
مشاركة فرح، أو حضنٌ صامت في وقت حزن.
هنّ أصدق من كل العناوين،
وأوفى من كل العلاقات،
وأحنّ من كل من عرفت.
ولو جمعت دفء الدنيا كله..
ما بلغ دفئهنّ إن مرّ بك تعب.
وإن سألتني عن أجمل ما كسبته في حياتي،
فلن أقول منصبًا، ولا مالًا، ولا حلمًا تحقق…
بل سأقول بثقة:
لديّ خمس قلوب، تمشي على الأرض… وتحبني كما أنا.
وفي كل لحظة أرفع فيها يدي إلى السماء،
أدعو لهنّ:
“اللهم احفظهنّ من كل سوء، وارزقني برّهن كما برّني حضورهن.”
فلا تسألني بعدها، لماذا أنا بخير رغم كل شيء…
لأن في حياتي “خمس نِعم” لا تُعوّض.
وإن كنت لا تزال تجهل من هنّ…
فاسمح لي أن أخبرك، أخيرًا، بعد أن مرّ كل هذا الشعور، وكل هذا الحنين، وكل هذه المحبة المغلّفة بالصمت:
هُنّ: أخواتي.
وإنّ أخوّةَ الأرواحِ خيرٌ من النسبِ المُفرّقِ إن أرادا..
كتبه / احمد بن صالح الشهري
alasiif@gmail.com
@alasiif1




