أظهرت دراسة سعودية حديثة ارتفاعًا في معدلات الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة (PPD) بين الأمهات في عدد من مناطق المملكة، وهو اضطراب نفسي قد يظهر خلال الأسابيع الأولى بعد الولادة ويؤثر على الاستقرار الصحي والنفسي للأم، حيث وصلت النسبة إلى 30%، وتشير نسبة الانتشار المرتفعة مؤخرًا الحاجة الى الاهتمام ببرامج الفحص والدعم النفسي. ويستعرض هذا التقرير أبرز ما توصلت إليه الدراسة من نتائج، إلى جانب العوامل المرتبطة بارتفاع معدلات الإصابة.
منهجية الدراسة وحجم العينة :
استندت الدراسة إلى مراجعة منهجية وتحليل تلوي شمل 32 دراسة منشورة بين عامي 2014 و2024، ضمت مجتمعةً 10,975 امرأة سعودية بمتوسط عمر بلغ 30 عامًا. واعتمدت غالبية الدراسات مقياس Edinburgh Postnatal Depression Scale (EPDS) للفحص، مما سمح للباحثين بتوحيد نتائج الأبحاث وقياس انتشار اكتئاب ما بعد الولادة ضمن منهجية علمية متسقة.
نسب انتشار اكتئاب ما بعد الولادة في السعودية
أظهر التحليل التلوي أن معدلات انتشار اكتئاب ما بعد الولادة تختلف تبعًا لعتبة قياس EPDS المستخدمة. وقد جاءت النتائج على النحو الآتي:
18% عند استخدام معيار (EPDS ≥ 14)،
30% عند (EPDS ≥ 13)،
59% عند (EPDS ≥ 12)،
45% عند (EPDS ≥ 10).
كما أظهر التحليل الفرعي للدراسات التي أجريت خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة نسبًا تراوحت بين: 35% عند استخدام cutoff ≥10،و 21% عند cutoff ≥13.
وتكشف البيانات كذلك عن وجود تفاوت جغرافي داخل المملكة؛ إذ سجّلت بعض الدراسات التي شملها التحليل انتشارًا بلغ حتى 60% لدى عينات من المنطقة الجنوبية. ويرجع هذا التباين إلى اختلاف الظروف الاجتماعية، ومستوى الدعم الأسري، وطبيعة العينات التي استندت إليها الدراسات المختلفة.
عوامل الخطر المرتبطة باكتئاب ما بعد الولادة
وحددت الدراسة 32 عامل خطر ذُكرت عبر الأبحاث المشمولة، في حين أظهر التحليل الإحصائي ارتباطًا قويًا بين عدد من العوامل واحتمالية الإصابة، أبرزها:
ضعف الدعم العائلي، والذي ارتبط بارتفاع واضح في احتمالية الإصابة (OR = 4.72).
ضعف دعم الزوج أو الشريك (OR = 4.20).
الحمل غير المخطط له (OR = 1.49).
كما أشارت بعض الدراسات إلى عوامل محتملة إضافية، مثل الضغوط الاقتصادية، وجود مشكلات صحية خلال الحمل أو الولادة، أو وجود تاريخ سابق للاضطرابات النفسية. ولكن الباحثين شددوا على أن قوة الأدلة تختلف من عامل لآخر، وأن العوامل الاجتماعية كانت الأكثر تأثيرًا واستمرارية عبر الدراسات.
في ضوء ما تقدّم، يتضح أن اكتئاب ما بعد الولادة في السعودية يمثل قضية صحية واجتماعية تستدعي اهتمامًا متزايدًا، ليس فقط بسبب ارتفاع نسب انتشاره، بل أيضًا لارتباطه الوثيق بجودة الحياة لدى الأمهات وأسرهن. فقد أظهرت الدراسة أن العوامل الاجتماعية، وبخاصة الدعم العائلي ودعم الزوج، تُعدّ محددات محورية في احتمالية الإصابة، ما يبرز أهمية تبنّي تدخلات شمولية تُعالج الجوانب النفسية والاجتماعية إلى جانب الجوانب الطبية. وتؤكد النتائج كذلك ضرورة تعزيز برامج الفحص المبكر، وتوفير خدمات الدعم النفسي، ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع والعاملين الصحيين على حد سواء. إن مواجهة هذا الاضطراب تتطلب تعاونًا منظمًا بين المنظومة الصحية والمجتمع، بهدف حماية صحة الأمهات وتمكينهن من تجاوز التحديات التي قد تصاحب مرحلة ما بعد الولادة، وبناء بيئة أكثر دعمًا واستقرارًا للأسر في مختلف مناطق المملكة.
إعداد الطالبات :
– شهد السيف – شادن اليامي
– غلا الطويرش – ريما الفرحان
– غصون العنزي





