إن الكتابة تتجمد على أطراف الأصابع عندما نتوقف عن ممارستها، هكذا أجر قلمي ليكتب مقالاً ولكن لابد من التزلج بلياقة على سطح قضايا المرأة سيما في يومها العالمي.
يتوجس الإنسان من التحولات المفاجئة لأنه يجهل القادم هكذا عبرت بعض الشرائح تجاه التحولات الثقافية التي تتسارع وتيرتها نحو المجتمع السعودي كافة قائلة : ” إلى أين سنصل؟ “، ولم يرتفع صوت هذه العبارة إلا بعد بزوغ تحولات المرأة السعودية، ولكن لن نصل لأبعد مما وصلته الدول المتقدمة التي منحت للشعوب أنماط من الحرية، وكما هو معروف لـ المنع مساوئ كما للجواز مساوئ، بينما إيجابيات الحرية تفوق إيجابيات المنع بكثير لأن الحرية ليست بأسوأ من الكبت وتقييد الإنسان. هكذا نمر مرورا خاطفا على تحولات المرأة المحلية ونتأمل أصداء الصدمات التي تلقاها الشعب على مراحل؛
مُنعت النساء في قديم الزمان من 1- التعليم بدواعي عدة تتأرجح بين التشريعات الإنسانية الظالمة وبين العادات والتقاليد السوداء، فقد كانت والدتي الجليلة إحدى نتائج منع المرأة من التعليم، بينما بعد سنوات نالت قريباتها اللاتي يصغرنها الشهادات الجامعية لا لشيء إلا لتتابع الزمن و انعكاس تحولاته على الإنسان. لكنها أصرت على التعلم فأتقنت القراءة والكتابة عبر التعلم الذاتي وعكست هذه الرؤيا في أبنائها وبناتها، بل لقنتنا درسا عظيما وهو أهمية قراءة الكتب عندما وضعت كُتبها القليلة بجوار شاشة التلفزيون لتكون منافساً إعلاميا فكريا يتغلل في أدمغتنا، لقد كسبت التحدي ولكنها ظُلمت لأنها لم تحمل شهادة أكاديمية تُثبت تفوقها.
2- في الطب، شُنت حرب ضروس ضد أوائل المشتغلات في مجال الصحة، وتم التعرض لأخلاقهن و فضيلتهن دون اكتراث بأن الاتهام العشوائي الشكلي هو رذيلة في حد ذاته! ولكن نجحت وتيرة الحياة في تغيير أفكار الناس تجاه هذه الشريحة المتعلمة الإنسانية حتى صارت الأسر تدفع ببناتها لدراسة أي تخصص طبي، بل وتتجشم تكاليف التعليم الخاص عند عدم توفر فرصة للدراسة الحكومية المجانية، ثم ختم المشهد الجيل الحالي الذي صار فيه الرجل يتوق لزوجة تحمل تخصصا طبيا وكلما ارتفع مستوى التخصص كما كانت النظرة لها أرفع شأناً و أجل تقديراً.
أما 3- الابتعاث فقد كان صدمة ثقافية شديدة الوطأة على الشعب المحافظ المغلق، لكنه بدأ بتجاوزها بسماحه للشباب دون البنات، فالأمر تجاه المرأة يتكرر كعادته، ففي بادئ الأمر كانت الأسر التي تبعث بناتها تتجنب التعرض لهذا الموضوع بشكل أو بآخر تفاديا لحديث الناس الذي لن ينتهي إذا كان سيئا! بدأ المجتمع يتقبل فكرة أهمية التعليم و إيجابيات التعرف على ثقافات أخرى، لكنه مع الفتاة لم يزال يثير حولها الأقوال حتى آل المآل إلى أن يقول الشاب: لا أريد زوجة درست في الخارج، بينما تفرح الفتاة بخطبتها من شاب يدرس ضمن البعثات! لم يسعَ المجتمع في تقريب الصورة و دمجها في وضع الاثنين ضمن معيار واحد بافتراض أن ما يمكن أن تتعرض له الفتاة يتعرض له الشاب على حد سواء وردات الفعل ستتباين لدى الاثنين بلاشك. بل عمد المجتمع في ذلك الوقت على ترسيخ مفاهيم ظالمة مثل ” الرجل شايل عيبه، أما البنت فناقلة للعيب ” وصار يؤكدها ضمنيا في تعاطيه مع التحولات والأحداث.
وبعد كل هذه المنعطفات الثقافية لازال كثير من أفراد المجتمع يرددون كلمة “الاختلاط” بصورة ظريفة جدا، عندما تُمنع المرأة من العمل الوظيفي أو الاجتماعي التطوعي في قطاعات وبيئات مختلطة، بينما يُسمح للرجل و يُبارك له حصوله على المنصب دون اكتراث أو تفكير في البيئة مختلطة أو منفصلة! هل المرأة ينطبق عليها مفهوم العمل المختلط والرجل لا ينطبق عليه؟! عجيب ومثير للدهشة والغرابة هذا التباين الفاحش في الموازين بين الأجناس المختلفة، ولازالت بعض الأسر تمنع الفتاة من عمل مختلط وتسمح للشاب، وكأنه لن يقابل نساء في العمل ولن يختلط!
محطات التحول كثيرة لايمكن إحصاؤها في مقال، ولكنها تكرر نفسها بصور مختلفة، وطوبى لمن يتعلم من الماضي، و تعسا لمن يصر على إصدار الأحكام المعلبة سلفا في كل تجربة!
فمؤخرا وبعد إطلاق الحرية للنساء في قيادة السيارة و دخول الملاعب و المشاركة في المجالات الأخرى كسباقات الرياضة و الفنون و السينما و الموسيقى وغيرها وغيرها .. ثارت ضجة تكرر ” إلى أين سنصل؟ ” ستفعل النساء كما يفعل الرجل بقيادة السيارة، فإن كان القلق من تمرد الفتاة وتأخرها ليلا وقد صارت تحمل المفتاح في يدها، فهذا القلق ليس جديدا لأننا كنا نقلق على المراهق والشاب وكذلك الرجل من هذه الأفعال ولكننا لم نجرؤ على المطالبة بمنعهم من القيادة! وكما لدينا شباب ورجال لا يحركون عجلات سيارتهم إلا للعمل أو زيارة الأهل سيكون لدينا نماذجا نسائية مماثلة تماما! فقيادة السيارة ليست عائقا أمام شيء يمكن القيام به عبر طلب سائق أجرة! وهذا ما يحصل مع الرجل تماما فهو يحمل جوازه الخاص وله حرية السفر دون إخبار الأسرة، بل وله الحرية في الزواج دون معرفة زوجته! لم يساورنا وسواس الخوف من تمرده، لأننا ندرك أن هناك رجلا طائشا بالتمرد وهناك آخر حنونا راشدا بالتعقل، ولهذا لن تخرج نماذج النساء عن نماذج الرجال، فكل ما سيكون هو حالة من التوازن سنرى فيها كل النماذج على حد سواء.
هكذا ينكشف لنا ماخلف المشهد الظاهر، لماذا تُمنع النساء و يُسمح للرجل بصيغة ظالمة؟ أما سئمنا من تقديم نموذجا إسلاميا مختلاً للعالم؟ أليست الممارسات واحدة؟! أليست القيّم واحدة! أليست المعايير واحدة! لقد حان الوقت الذي نُنصف فيه تعاملاتنا مع كلا الجنسين! الغفران لكليهما فالإنسان ناقص وخطاءٌ بطبيعته البشرية و الغضب على كليهما فالإنسان مسؤول رجل أو امرأة دون فارق إلا أن يكون انحيازا ظالما.
و أختم هذه السطور بحروف للأنثى في جميع مراحلها العمرية؛ أقول: لن يحدث التغيير إلا أن تؤمني بقدرتكِ على التغيير الذي هو أمر حتمي له ماله وعليه ماعليه، ولكِ حرية الاختيار كيفما رغبتِ في تمثيل وتقديم ذاتك للعالم. الحقوق لا تُعطى بل تُنتزع! فاعرفي كيف تنتزعينها بلين و تنهضين بالرجل معكِ. لأن النمو الفردي على هيئة الانشطار لن يفيدكِ في مسيرة الحياة، فلا تميلي كل الميل لأن السير المعتدل أقرب للوصول بأقل التكاليف. وكل عام ووعي المرأة بخير.




