بدأ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم خطبته قائلاً: إن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل شأنه، فهي زاد المؤمن، ودليل الحائر، من تمسك بها غنم، ومن نأى عنها غرم، هي الوقاية بين العبد وبين عذاب ربه (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون).
وأضاف فضيلته، أن الزمان يدور كما تدور الرحى، عشية تمضي وتأتي بكرة، ،والناس فيه بين مقل ومكثر ، وكادح وراقد، وجاد وهازل، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، والسعيد منهم من عرف حظه من مواسمه فاغتنمها، وشمر عن ساعدي الجد وما فرط فيها ،فإن في مواسم الخيرات لمربحا ومغنما، وفي أوقات البركات والنفحات لطريقا إلى الله وسلما، يوفق إليها الساعون المجدون، ويذاد عنها الكسولون القعدة، والزمن إبان ذلكم كله وحِيُّ التقضِّي، بطيء الرجوع، من فرط في لحظة منه فلن يدركها مرة أخرى، لأن ما مضى فات، والمؤمل غيب، وليس للمرء إلا ساعته التي هو فيها، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
إن قلوب البشر يعتريها ما يعتري غيرها من عوامل التأثير، فقد تصدأ كما يصدأ الحديد، وتجف كما يجف الضرع، وتيبس كما ييبس الزرع، فهي أحوج ما تكون إلى ما يعيد مادة النماء إليها، فيجلي صدأها، ويدر جفافها، وينبت يبسها، فإن النفس قد تلهو مع زحام الأيام وكدحها حتى تتراكم عليها الشواغل فتحجزها عن مقومات التصفية والتخلية فضلا عن شحذها وتحليتها.
وأردف الشريم ألا إن الشهر الذي أظلكم لهو خير معين على ذلكم كله، إنه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، إنه شهر البر والصوم والصلاة والرحمة والتراحم، شهر لجام الشهوة، وقصر النفس وأطرها على البر أطرا، وإخراجها من دائرة توهم الكمال الزائف الذي يشكل حاجزا وهميا آخر يحول دون اغتنام الفرص، وانتشال النفس كذلكم من كثرة الانشغال بمباحات تزاحم الطاعات فينغمس المرء فيها حتى يثقل ويركن إليها حتى يبرد فيفوت من الطاعات ما يجعله أسير هواه وكسله وركونه، ألا إن هذا الشهر شهر الاستزادة من التقوى، وليس ثمة أحد يستغني عن الاستزادة من الطاعة والتفرغ لها في شهر رمضان، نعم عباد الله لقد شغلتنا أموالنا وأهلونا عن صقل قلوبنا وتخليتها استعدادا لتحليتها، وإن في بعض القلوب لقسوة فلتستلهم خلق الرحمة من رمضان، وإن في بعض الأموال لجفاء فلتلتمس النماء والزكاء في رمضان، وإن في بعض الألسن لسلاطة وحدة فلتلتمس طيب الكلام في رمضان، وإن في بعض الجسوم لكسلا فلتلتمس القوة والهمة في رمضان، إنه شهر متكامل يجمع كل مقومات التقوى لمن يبحث عنها(كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).




