افتتح مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) نشاطه الثقافي لهذا الصيف بانعقاد عدة ندوات ثقافية تحت مسمى “مجلس إثراء الثقافي”، ويتميز المجلس بأسلوب جديد ومغايرة للمألوف من حيث أسلوب الطرح والتناول للموضوعات المقررة.
في مجلس إثراء الثقافي يعطي الجمهور شارة البدء. وقد جاءت أولى الجلسات في يوم الخميس 9 رمضان 1439هـ الموافق 24 مايو 2018م بعنوان “ما النص بعيداً عن لغته؟”، وبمشاركة كل من الأساتذة عبدالوهاب أبو زيد، ود. سعد البازعي، وحمد الشمري، وكما هو معروف فإن كل منهم له انجازاته وإسهاماته في مجال الترجمة والكتابة والإبداع، وبإدارة المترجم الشاب راضي النماصي.
مساحات غير منتهية للأحاديث
قدم د. أشرف فقيه، مدير قسم العلاقات والاتصال، للجلسة الأولى لم نجد في أول جلسة من مجلس إثراء الثقافي أفضل مدخل تعبيري عن قدرتنا على الترجمة أترانا نقصد بها ترجمة ما يجول بدواخلنا أو ربما ترجمة ما يقوله الآخر الساكن في لغة غير مفهومة؟ أو ربما محاولة ترجمة نص الحياة الذي نقرأه كل يوم؟ أليست الترجمة هي وسيلتنا لكشف اللعبة اللغوية التي يمارسها الأدباء؟ ومن أي يكتسب المترجم ثقة القارئ الذي لا يستطيع الإطلاع على النص الأصلي؟ وهل الترجمة خيانة ضرورية؟
الترجمة خيانة جميلة!
لا تعبّأ الدهشة في الحوارات إلا بالأسئلة المثيرة، فمن أهم ما طُرح على منصة الندوة تساؤلات الجمهور التي بدأت لدى بندر الحربي، وهو كاتب ومترجم سعودي نُشرت له أعمال أدبية وثقافية متنوعة.
ركز الحربيّ على إمكانية التصرف بالنص وهل يخالف ذلك أو يؤازر أيدلوجيات معينة، هل توجد أمثلة تؤكد أن الترجمة ليست خالية من تأثير الأيديولوجيا وصراع المصالح والسعي لإحداث تغييرات تخدم أجندات سياسية؟ كما تساءل عن مستقبل الترجمة ومستقبل الإبداع البشري فيما يتعلق بتدني مستوى الاصدارات وانخفاض معدل المنقول والمترجم عن العربية إلى لغات أخرى، وفي تداخل مع عبد الوهاب أبو زيد الذي سلط الضوء على الترجمة الإبداعية وهي التي في نظره يجب أن توازي النص الأصلي لا أن تنقله بالحرف، في حين يكثر اهتمام الناس بجدليات عما إذا كانت الترجمة الحَرفية التزاماً أم تساهلاً، ولماذا يرفض البعض اعتبار الترجمة الحرفية ابداعاً بينما يجدها البعض الآخر وفاءً للنص الأصل واعترافاً بحق الكاتب في الاحتفاظ بأسلوبه وبنائه كما جاء به، فأبوزيد يرى أن النص الموازي قد يبتعد عن النص الأصلي لكنه يقترب من روحه ومرماه، كما تطرق أبوزيد إلى محور مهم يدور حول أيهما أسهل على المترجم المحترف المواد العلمية أم ذات الصبغة الأدبية، ومن المعروف أن عبدالوهاب أبوزيد هو شاعر ومترجم سعودي. له شعرًا: لي ما أشاء، ولا قبلها من نساء ولا بعدها من أحد، وترجمة: خزانة الشعر السنسكريتي، ولستُ زائرًا عابرًا لهذا العالم، وعسل الغياب، وأخبار الأيام.
الترجمة تغير ثقافات
أكّد د. سعد البازعي، وهو الحاصل على الدكتوراة في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة بردو 1983 وعمل أستاذاً للأدب الإنجليزي المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض منذ 1984، أن الترجمة ساهمت في سقوط دول، وغيرت ثقافات اجتماعية في الشعوب، وأشار في رده على سؤال الحربي أن بريطانيا تمكنت من استعمار نيوزيلندا من خلال معاهدة “وايتانجي”، وذلك بكتابة معاهدة بالإنجليزية تجيز سيطرة الإنجليز بينما ترجمت المعاهدة للغة السكان الأصليين بحيث لا يدركون ما خطط له المستعمر فوافقوا عليها وخسروا أرضهم.
وأفاد حمد الشمري، مختص في اللغويات التطبيقية. أكاديمي في معهد اللغة الإنجليزية في جامعة الملك عبدالعزيز – جدة، مهتم بالأدب والترجمة ومترجم لعدة أعمال أدبية ومقالات من بينها كتاب “عبقرية اللغة” مبرراً ضآلة المترجَم من العربية إلى عدم وجود الرغبة لدى الآخر في اكتشاف العالم العربي وما يشغل هذا العالم، وفي إجابة أخرى على سؤال عن سبب انتشار أعمال غير مستحقة لهذا الحجم من الضجيج الاعلامي والجماهيري، يقول د. سعد أن السبب حتماً انثروبولوجي صميم، إذ أن قائمة الأكثر مبيعاً التي تنشر في النيويورك تايمز تحكم ما ينتشر وما لا ينتشر بين القراء في مختلف أصقاع الدنيا، بل ويقال أنها تؤثر في اختيارات قائمة الأعمال المدرجة لنيل جائزة نوبل، ومن يستطيع أن يتخيل أن المنقول من لغات العالم إلى الانجليزية يفوق 40% في حين أن المنقول من العربية لا يتجاوز 1% وهذا يثير تساؤلاً خطيراً حول مدى اهتمام العالم بما يقدمه العرب وما يحفل به العرب.
وقد عبّر عبدالوهاب أبوزيد عن اعجابه الشديد بأجمل ترجمات الروائي دوستوفيسكي بأنها كانت منقولة عن الفرنسية وليس عن الروسية، في إشارة إلى أن الترجمة عن لغة وسيطة ليست دائماً سيئة، فالأهم هو توفير لغة آمنة.
وقد روى المترجم حمد الشمري تجربته العصيبة في ترجمة نص إذاعي لا يزيد طوله عن خمس صفحات كان قد استمع إليه في الإذاعة بعنوان “على بساط الشعر” للكاتبة الأسترالية إليسا بايبر، وقال كلما زادت الدهشة التي يحدثها فيك النص كلما صعبت ترجمته، الأمر الذي تطلب منه قضاء خمسة أعوام في محاولة لترجمة هذا النص البديع إلى العربية..
يتناول المجلس عدد من المواضيع الثقافية تدور حول قضايا ثقافية لا تزال تنبض بالحيوية والقدرة على إثارة الأفكار الجديدة طوال شهر رمضان المبارك، إذ ستقام جلستين خلال الأسبوعين القادمين إحداهما تدور حول الشعر وعوالمه بعنوان “كيف تحلم القصيدة؟”، والأخرى تقدم تقييماً لأصداء الأعمال التلفزيونية بعنوان “رمضان شهر الدراما؟”، بمشاركة مجموعة من روّاد الفكر والإبداع من جميع أنحاء المملكة.
الجدير بالذكر أن مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي ( إثراء) يهدف إلى إثراء المجتمع السعودي بمصدر معرفي هائل، ودعم الأفراد في مجالات الفنون والعلوم والابتكار، كي يصبحوا روّاداً للمملكة في مسيرة التحوّل إلى الاقتصاد المعرفي، كما يقوم بتقديم تجارب واسعة للزّائر من خلال العروض والندوات والمؤتمرات المحلية، والتي تعد منصّةً للإبداع، تُجمع فيها المواهب للتعلّم ومشاركة الأفكار لكافة شرائح المجتمع ومختلف الفئات العمرية تعزيزاً لنوعية الحياة في المجتمع بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030.
عام
> انعقاد مجلس إثراء الثقافي وافتتاح النشاط الثقافي لهذا الصيف
انعقاد مجلس إثراء الثقافي وافتتاح النشاط الثقافي لهذا الصيف
25/05/2018 4:33 م
انعقاد مجلس إثراء الثقافي وافتتاح النشاط الثقافي لهذا الصيف
الظهران - ابراهيم الجريسان
الظهران - ابراهيم الجريسان
لا يوجد وسوم
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/53007/