إن لِلُّغة قيمة جوهرية في حياة كل أمة، فهي الأداة التي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم، فتُقيم بذلك روابط الإتصال بين أبناء الأمة الواحدة واللغة هي الترسانة التي تحمي الأمة وتحفظ هويتها وكيانها ووجودها، وتحميها من الضياع والذوبان في الحضارات والأمم الأخرى.
فإن أهم لغة من اللغات هي اللغة العربية فهي سيدة اللغات، وهي أجمل وأرقى وأعظم لغة في العالم على الإطلاق، فلا تجاريها وتعادلها أي لغةٍ أخرى في الدقة والروعة والجمال. واللغة العربية هي هوية ولسان الأمة العربية، وهي لغة الأدب والعلم، وهي لغة الحياة بكل معانيها، وهي لغة الضاد، فمخرج هذا الحرف لم تعرفه أي لغة في العالم إلا اللغة العربية، وهي اللغة التي شاء اللّٰه عز وجل أن تكون لغة كتابه الكريم، فقال سبحانه وتعالى: { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) }.
فاللّٰه سبحانه وتعالى اصطفى هذه اللغة لتكون لغة كتابه العزيز الذي خاطب به البشرية جمعاء على لسان نبيه محمد “صلى اللّٰه عليه وسلم” ، وبناءً على هذا، ليس العرب وحدهم هم المطالبون بالحفاظ على العربية وتعلمها، وإنما المسلمون جميعًا مطالبون بتعلمها والحفاظ عليها، فاللغة العربية لغة القرآن والدين، ولا يتم فهم القرآن، وتعلم هذا الدين إلا بتعلم العربية
فإذا أتينا من الجانب التاريخي والعلمي فإن لغة الضاد هي من أقدم اللغات السامية، وأكثر لغات المجموعة السامية متحدثينَ، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها قرابة ٥٠٠ مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في منطقة الوطن العربي أو الشرق الأوسط، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، وهي من بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا على شبكة الإنترنت، وكذلك الأكثر إنتشارًا ونموًا متفوقةً على الفرنسية والروسية.
قال تعالى في محكم تنزيله: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) }.
هذه اللغة ذات أهمية كبيرة لدى المسلمين، فهي لغة القرآن الكريم، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها.
تتميز اللغة العربية بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة معينة. فيها خاصية الترادف، والأضداد، والمشتركات اللفظية. وتتميز كذلك بظاهرة المجاز، والطباق، والجناس، والمقابلة والسجع، والتشبيه. وبفنون اللفظ كالبلاغة الفصاحة وما تحويه من محسنات.
وقد أثّر انتشار الدين الإسلامي، وتأسيسه دولاً، في إرتفاع مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأردية والماليزية والإندونيسية والألبانية والديفيهيه وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهوساوية والسواحيلية والتجرية والأمهرية و الصومالية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
كما أنها تُدرَّس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي.
يقول البعض إن اللغة العربية هي أقرب اللغات السامية إلى “اللغة السامية الأم”، وذلك لأنها احتفظت بعناصر قديمة تعود إلى اللغة السامية الأم أكثر من أي لغة سامية أخرى.
ففيها أصوات ليست موجودة في أيّ من اللغات السامية الأخرى، بالإضافة إلى وجود نظام الإعراب والعديد من الصيغ لجموع التكسير والعديد من الظواهر اللغوية الأخرى التي كانت موجودة في اللغة السامية الأم.
وتُعد اللغة العربية “الشمالية”، أقرب اللغات إلى الأصل الذي تفرّعت منه اللغات الساميّة، لأن عرب الشمال لم يمتزجوا كثيرًا بغيرهم من الأمم، ولم تخضعهم أمم أخرى لحكمهم كما كان الشأن في كثير من الأمم السابقة الأخرى كالعبرانيين والبابليين والآشوريين، فحفظتهم الصحراء من غزو الأعداء وحكم الأمم الأجنبية، كما حفظت لغتهم من أن تتأثر تأثرًا كبيرًا بغيرهم.
فهي لغةٌ فضفاضةٌ واسعةُ المدى والبيان، وقد كان العرب سابقاً يتفاخرون بقدرتهم على نظم الشّعر وضرب الأمثال والنّثر والبلاغة، ومازالَ اللّسانُ العربيّ فصيحاًَ حتّى اختلطت بالعرب عناصرَ من العجم الذين دخلوا في الإسلام عصرَ الدّولة الأمويّة، وبشكلٍ أكبر في عصر العبّاسيين المُتأخّر؛ حيث أُعجمت الألسنة وتأثّر بَريق لغة الضّاد، فاحتاجَ الأمر أن يقف رجال القواعد لضبط الألسنة وتقويم اعوجاجها، وتنقيحها من الدّخائل والمُصطلحات التي ليست منها.
سُمّيت اللّغة العربيّة بلغة القرآن والسُنّة،
وقال تعالى: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } .
وكل هذا يُشير إلى أهميّة اللغة العربية في فهم آيات القرآن ومقاصدها ومعانيها بشكل واضح؛ لأنّ القرآن نزل بلسانٍ عربيّ فصيح ومُبِين في عصرٍ كان مُعظم النّاس يتباهون ويتفاخرون ببلاغة وفصاحة لغتهم، وإلمامهم بقواعدها، وضوابطها، وقد نزل القرآن الكريم بمعانٍ، وتراكيبَ، وجملٍ بليغة جدّاً، تحتوي على الكثير من التّشبيهات والاستعارات، والأساليب اللغويّة البليغة، ممّا أضاف لمكانة اللّغة العربيّة درجاتٍ كثيرةٍ، حتّى أصبحت اللّغة الخالدة الوحيدة في العالم.
فيتميّز التّاريخ العلميّ العربيّ باحتوائه على الكثير من المُؤلّفات العلميّة والأدبية والثقافية في شتّى المجالات باللّغة العربيّة، وكان المُؤلّفون العرب يكتبون مُؤلَّفاتهم بطريقة مُميّزة عن غيرهم، وتكون مُؤلَّفاتهم تتحدّث في أكثر من تخصصٍّ علميّ واحد، مثل كتاب إسماعيل بن أبي بكر بن المقرّي المُسمّى (عنوان الشّرف الوافي في علم الفقه والعروض والتّاريخ والنحو والقوافي)؛ فهذا الكتاب يتحدّث عن الفقه، وعلم العروض والقوافي، وغيرها من العلوم المُختلفة، وهذا يدلّ على عبقريّة اللّغة العربيّة؛ لأنّها تُتيح المجال بشكلٍ كبير للكُتَّاب بأن يربطوا المَواضيع المُختلفة ببعضها دون أن يضعوا القارىء في دوّامة من التشتّت وعدم الفهم نتيجةً لتعدُّد المواضيع ضمن المُؤلّف الواحد.
فقد قال الكثير من العرب عن لغتهم بالأدب العربي وتحديداً الشعر فأخذنا منهم أشهرهم:
فقد قال الشاعر الكبير/ حافظ إبراهيم – رحمه اللّٰه تعالى – :
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
.
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة
وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
.
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
وقال الشاعر/ وديع عقل :
لغتي أكرمُ امٍّ لم تلد
لذويها العُرب غيرَ المكرمات
.
ما رأت للضاد عيني اثراً
في لغاتِ الغربِ ذات الثغثغات
.
ان ربي خلق الضادَ وقد
خصها بالحسنات الخالدات
الشيخ/ حمد بن خليفة (أبو شهاب):
وزرعنا بك مجداً خالداً
يتحدى الشامخات الخلدا
.
فوق أجواز الفضا أصداؤه
وبك التاريخ غنى وشدا
.
ما اصطفاك اللّٰه فينا عبثاً
لا ولا اختارك للدين سدى
.
أنت من عدنان نورٌ وهدى
أنت من قحطان بذل وفدا
.
لغة قد أنزل اللّٰه بها
بينات من لدنه وهدى
فإذا عدنا إلى تاريخها فهي أكثر اللغات السامية احتفاظًا بسمات السامية الأولى فقد أحتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية، فقد أحتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: ( غ، ح، خ، ض، ظ، ث، ذ ).
ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية، واحتفظت أيضًا بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى، وبمعظم الصيغ الأشتقاقية للسامية الأم: اسم الفاعل، اسم المفعول، وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني. واحتفظت العربية بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.
وبما أن معجم العربية الفصحى يُعتبر ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر، فإنها أصبحت مساعداً لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة.
بقاء اللغة العربية؟ :
تُعدّ العربيّة لغةً خالدة – بإذن اللّٰه تعالى – ، ولن تنقرض مع مرور الزّمن أبداً فحسب دراسة لجامعة برمنجهام أُجريت للبحث في بقاء اللّغات من عدمه في المُستقبل، وتتميّز اللّغة العربيّة بالكثير من الميزات التي توجد في لغة الضّاد فقط ولا توجد في غيرها من اللّغات، ويُذكَر من هذه الميزات ما يأتي:
– الفصاحة: وهي أن يخلو الكلام ممّا يشوبه من تنافرٍ بالكلمات، وضعف التّأليف، والتّعقيد اللفظيّ.
– التّرادف: وهو أن يدلّ عددٌ من الكلمات على نفس المَعنى المراد.
– الأصوات ودلالتها على المعاني: بمعنى أن يفهم معنى الكلمة بشكلٍ عامّ أو دقيق من خلال الصّوت فقط، وهذه من أهمّ الميزات الخاصّة باللّغة العربيّة.
– كثرة المُفردات: تزخر اللّغة العربيّة بعددٍ وافرٍ جدّاً من المُفردات، ولا تحتوي لغةٌ أخرى على عدد أكثر أو يُساوي العدد الذي تحتويه لغة الضّاد.
– علم العروض: وهو العلم الذي ينظم أوزان الشّعر وبحوره، ويضع القواعد الرئيسيّة لكتابة الشّعر، ممّا جعل الشّعر العربيّ هو الأكثر بلاغةً وفصاحةً نتيجةً لاتّباعه أوزانٍ مُحدّدة، وقواعدَ رئيسيّةٍ.
– الثّبات الحرّ: من أكبر التّحديات التي واجهتها العربيّة هو ثباتها وانتصارها على عامل الزّمن والتطوّر، في حين أنّ اللّغات الأخرى مثل الإنجليزية قد تطوّرت واختلفت بشكل كبير عبر الزّمن.
– التّخفيف: وهو أن أغلب المُفردات في اللّغة العربيّة أصلها ثلاثيّ، ثم يأتي الأصل الرباعيّ، ثمّ الخُماسيّ على التّرتيب في كثرة انتشاره في أصول المُفردات العربيّة.
أخيراً وليس أخراً عزيزي القارئ إن لغتنا العربية هي بحر زاخر من الألفاظ والمعاني والتراكيب، فهي أوسع لغات العالم بالمفردات والتراكيب، وفيها مدرج صوتي واسع تتوزع فيه مخارج الحروف توزيعًا متعادلًا من الشفتين إلى أقصى الحلق، وقد نَجِد في لغات أخرى غير العربية حروف أكثر عددًا، ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون متزاحمة من جهة الحلق، أو تكون متجمعة ومتكاثرة عند الشفتين واللسان.
فعلى سبيل المثال، فاللغة الإنجليزية لا يوجد فيها إلا حرفان حَلْقِيَّان فقط، وهما: حرف (A)، و (H)، أما بقية الحروف الحَلْقِيَّة التي نعرفها في لغتنا وهي: الحاء والخاء والعين والغين، فلا وجود لها في اللغة الإنجليزية! فلا ننسى أن اللغة للعربية تمتاز أيضاً بالإيجاز، فهو صفة واضحة ومميزة فيها، فنسطيع بهذه الميزة إتمام المعنى المراد بعدد قليل من الألفاظ، أو تكثيف الكثير من المعاني بعدد قليل من المفردات والألفاظ. فعلى سبيل المثال، لو أردنا ترجمة كتاب من اللغة الإنجليزية إلى العربية، فمن المؤكد أن حجمه سينقص بشكل ملحوظ بعد الترجمة بالإضافة إلى ما سبق، فاللغة العربية قد أفادت العديد من لغات أخرى مثل: اللغة الفارسية والتركية اللتان تزخران بالألفاظ العربية الأصل.
فإذا جربنا أن نقارن بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية، لاكتشفنا بكل سهولة تفوق اللغة العربية عليها في الكثير من النواحي، فأين الثرى من الثريا؟
فاللغة الإنجليزية – كما وصفها أحد الكُتَّاب – هي: (لمامة من الطرق)! فالآلاف من مفرداتها فرنسية وألمانية الأصل، ومن مفرداتنا الأخرى ما لا يُعْرف أصله! وعلاوة على ذلك، فاللغة الإنجليزية لغة سماعية لا يطِّرد فيها قياس، وألسنة أهلها ملتوية، وكما ذكرنا سابقًا أنه لا يوجد فيها سوى حرفان حلقيان من أصل ستة حروف موجودة في اللغة العربية. كما أن اللغة الإنجليزية قد تعرضت للتحوير الكبير والتبديل على مر القرون، فالإنجليزي لا يمكن أن يفهم كلام أسلافه في العصور القديمة! ومع كل هذه العيوب نجدها منتشرة في العالم، ونجد أنها تحظى بمكانة واحترام من كل شعوب العالم، والكل يطمع بتعلمها!؟؟
وقد أعتمدت هيئة الأمم المتحدة واليونسكو اليوم العالمي للغة العربية بعد إقتراح من المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية فاعتمدت الهيئة كل عام يوم الثامن عشر من آخر شهر ميلادي (ديسمبر) يوماً عالمياً للغة العربية.
فختاماً: أسأل اللّٰه العلي العظيم رب العرش العظيم أن يحفظ لنا ديننا وأوطاننا ولغتنا العربية يارب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.