قبل قرابة السنة من الآن كنتُ أُهاجم بشكلٍ لاذعٍ وقاسٍ عندما طرحت أفكاراً واقتراحاتٍ استباقيةً لمرحلة الحداثة المقبلة لامحالة على المنطقة .
فكم تلقيت نقداً هائلاً – مفهوم الدوافع طبعاً – حينما طالبتُ بناتنا وابناءنا أن يكونوا بحجم الحدث و ضخامة المسؤولية.
ولأكون أكثر شفافيةٍ لتستوضحوا الموضوع بدقة فقد طال الانتقاد مقالاتي القديمة في مواضيع غير مألوفة كالموسيقى والحشمة الذوقية في اللباس و الحرية الفكرية المُسعفة للجيل الحالي في الولوج من بوابة التعايش وتحاور الأديان للعالمية .’
وكنت استقبل تلك الانتقادات ممتلئةً بثقة القادم وبسخرية الأقدار .
نعم الأقدار التي كانت أفقها تؤكد وتضمن لي انها خير من ستجيب وتنافح وتدافع عنّي وعن تنبؤاتي.
فها هي الموسيقى اصبحت المنشط الأول الذي تعوِّل عليه سياسة الدولة الآن لموازنة اقتصاد البلاد من جهة ولإعادة توليف الروح البشرية بعد زمنٍ من اغترابها إلى طبيعتها الأم حيث السلام والفرح والحب من جهةٍ اخرى .
و هاهي معالم ضرورة الاحتشام اصبحت بادية منذ باكورة الانطلاقة الأولى لبناتنا وابنائنا في الميدان وما انفراط العقد بحرياتٍ غير مرغوبٍ فيها أحياناً إلانتاج مقاومة البدايات والتصارع معها لا يغفر لها سوى عدم تعديها على حريات الآخرين حتى الان لذا ليس لنا سوى قبولها و الرضوخ لها بل و تحمل النتائج الحاصلة بصدرٍ رحب .
وإلا كطبقةٍ متحضرةٍ ومثقفةٍ أزعم أنني أمثل شريحة منها قطعاً لن يكون خيار النرجيلة في الأماكن العامة للبنات والهسترة أثناء الحفلات الغنائية من بناتنا وأبنائنا وارداً في مخططاتنا أبداً .
فمراعاة الذوق العام الذي تلقيت اللّوم من قبل البعض على اتخاذه ركيزة للتهذيب السلوكي في اعتقادي سيكون الخيار الاسلم والأوسع من أي سلطةٍ أخرى فهو خاضع لما يليق و مالا يليق لعين وظرف الحاضر المعاش .
أما حتمية التمازج مع الحضارات والأديان الاخرى بما يضمن الحرية الفكرية وإطلاق سراحها دون قيدٍ او شرطٍ مجتمعي او ديني بات مسيطراً على المشهد الاعلامي للسعودية الحاضرة كما توقعنا تماماً.
و هي تهدف بذلك التصاعد لآخر مقامات الحرية أن تشعل زيتها أعلى قمتها شمعة يشهدها العالم اجمع .
فهل بعد ذلك مازلت استحق الانتقاد أَن طرحتُها في غير أوانها ام انه أوان بدايات الثقة بالطبقة المتعلمة المتنورة أخيراً واعتماد مرئياتها في منطقتنا العربية !!
لكن على الرغم من ذلك استبشر خيراً من مخرجات السعودية الجديدة جداً .
فقد اجتاز الجميع دون استثناء اختبار الانطلاقة دون خسائر تُذكر .
وهاقد خابت آمال أولئك الذين حاولوا ترسيخ فداحتها في الاذهان بل ورغبوا ضمناً أن تشيع الفاحشة على اوسع نطاق ما امكن لعلّ وعسى يرتد سهم الحرية التي لم يفهموا حقيقتها يوماً إلى غمده .
الآن علينا استقبال التحديات التالية بثباتٍ اكثر وحكمةٍ اعمق لتحقيق التطلعات المرجوة فما ينتظرنا يستحق المثابرة ومهما تأخر غيثه لابد أن نوقن بتكاثف السحابة واقتراب موسم الحصاد.