لا أخفي تفاجئي عنكم من أولئك المنكرون لنسب أبنائهم مع علمهم التام بوجود رابطة الدم بينهم، أي يعلمون أنهم من أصلابهم، ومع ذلك يتهربون من كل ما يثبت ذلك!
من الآثار والحقوق المترتبة على الزواج ثبوت النسب للأولاد، لقوله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)، فالنسب حق من الحقوق الشرعية التي لا يصح للزوجين أن يتفقا عند عقد الزواج على نفيه.
تعتبر رابطة النسب على جانب كبير من الخطورة! فتتصف بأنها إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل، لأنه بثبوت النسب ينتج للأولاد حقوقاً منها: حق النفقة، الرضاعة، الحضانة، والميراث وغير ذلك من الحقوق التي منحها الشرع ونظمها القانون بنصوص خاصة، فإن لم يتم إثبات النسب سيكون سبباً في حرمان الأولاد لهذه الحقوق.
وما يدل على هذا الحق للطفل المادة الثالثة من النظام السعودي لحماية الطفل: “أنه يعد إيذاء أو إهمالاً للطفل: حين إبقاؤه دون سند عائلي، او عدم استخراج وثائقه الثبوتية”.
ونصت المادة السابعة من اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1989م على: “أن يسجل الطفل بعد ولادته فوراً ويكون له الحق منذ ولادته في الاسم والجنسية، والحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما”.
يثبت النسب بمجموعة من الوسائل منها: الفراش، الإقرار، الاستلحاق، البينة الشرعية بشهادة الشهود، والبصمة الوراثية DNA فهي مجموعة من الأحماض النووية نصفها من الأم والنصف الآخر من الأب، ويُسمى بالعامل الناقل حيث ينقل الصفات الوراثية من الأبوين للمولود، وتلجأ له المحاكم باعتباره الحل الأخير وهي مسألة تقديرية تعود للقاضي.
وأبطل الشارع الحكيم ما كان يجري عليه أهل الجاهلية من إلحاق الأولاد عن طريق العهر والزنا، وقد جعل لنشوء النسب سبباً واضحاً هو الاتصال بالمرأة عن طريق الزواج الصحيح، وهذا ما جاء تأكيده من السنة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم “الولد للفراش وللعاهر الحجر”.
وفرض سبحانه وتعالى إقامة الحدود الشرعية كحد الزنا لتطهير المجتمع من الفسوق والفوضى واختلاط الأنساب والانحلال الخُلقي الذي يجعل من إثبات النسب في بعض الحالات أمراً مستعصياً.
ومن رأيي إن إنكار النسب تعتبر جريمة بلا عقاب، فهناك آلاف الأطفال والأمهات يمضون سنوات في المحاكم بغيةً لإثباته، ويعانون الزوجات من أزواجهم بسبب إنكارهم لنسب طفلهم ورفضهم استخراج شهادة الميلاد ليتجنبوا مطالبتهم بالإنفاق عليه.