نظم فرع هئية الصحفيين بمحافظة الاحساء يوم امس زيارة لرباط الشيخ ابي بكر الملا بالاحساء يتقدمهم رئيس الجمعية عادل الذكر الله ومنسق الزيارة عضو هئية الصحفين عبداللطيف المحيسن وعدد من الإعلاميين وكان في استقبالهم الدكتور الشيخ محمد ابو بكر الملا والذي بدروة رحب بالإعلاميين
وقال الدكتور الملا في حديثة حول الرباط لقد ازدهرت الحياة العلمية في الأحساء خلال القرون العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والنصف الأول من القرن الرابع عشر الهجرية ، وقد كانت الأحساء بمدارسها ومساجدها وأربطتها مقصد طلبة العلم الذين كانوا يجدون الحفاوة والرعاية من أُسر الأحساء وعلمائها أمثال آل الشيخ مبارك ، وآل عبداللطيف ، وآل أبو بكر الملا ، وآل عبدالقادر ، وآل عمير ، وآل عثمان ، وغيرها من بيوتات العلم.
واضاف الدكتور الملا لقد غلب على الدروس في تلك المدارس علوم الشريعة ، واللغة ، والعناية بحفظ القرآن الكريم ، والسنة الشريفة ، وقد توزعت وسائل العناية بأسباب تلك النهضة على المدارس العلمية التي عنيت بتدريس العلوم الشرعية واللغوية والتاريخ ، مع الاهتمام الوعظ والإرشاد ،
مبينا ان من أركان وآليات النهضة التي تميزت بها الأحساء أيضاً : الأربطة العلمية ، حيث كانت تٌعنى برعاية طلبة العلم الوافدين إلى الأحساء ، وتوفر لهم المسكن والطعام والشراب حتى يتفرغوا لطلب العلم بجد واجتهاد . وكانت أسرة أبو بكر الملا في صدارة الأسر التي اهتمت بالأربطة ، يعاونها في ذلك بعض الأثرياء ورجال الخير والصلاح كما اضطلعت المساجد بالمدارس الشرعية في ذلك الوقت بدور فاعل وحيوي في نشر الثقافة الدينية وعلوم الشرع واللغة ، ولقد بقيت مراكز إشعاع ونور لأبناء المسلمين جميعاً ، كما كانت المجالس العلمية والأدبية في بيوت العلماء والأدباء مقصد طلبة العلم ، وكانت أشبه بمنتديات أدبية وعلمية كان لها دورها الكبير –ولم تزل- مما حفز العقول وشحذ الهمم للإبداع والإجادة والاهتمام بالأمور الهامة .
تنوع المذاهب الفقهية لدى ساكني الرباط :
واشار الدكتور الملا ان كان ساكني الرباط ينتمون إلى مذاهب فقهية مختلفة ، ومع تعدد المذاهب الفقهية في الأحساء ، تميزت العلاقة بين المنتمين المذاهب بالتمازج والتآلف وعدم تعصب أي فريق لمذهبه ، فتجد الدروس تجمع من كل مذهب ما شاء الله ، وتناقش الأحكام الشرعية في كل مذهب وهذا أدى إلى اتساع أفق الدارسين ، وتنوع ينابيع العلم لديهم، وإلمامهم بالأحكام وأدلة المذاهب الأخرى وعدم التعصب لمذهب معين .
تصدر كثير من أبناء الأسرة لتولي مهام القضاء والإفتاء في بلاد الأحساء وخارجها ، هذا وقد أدى رحيل الأسرة من العلماء إلى الحجاز حيث بلاد الحرمين وغيرها إلى سعة معارفهم ، وتنوع ثقافاتهم ، وروافد فقههم لعلوم الدين والدنيا فضلاً عن اتساع دائرة معارفهم وأحبابهم في شرق بلاد العالم وغربها ، الأمر الذي زادهم معرفة وتسامحاً وإلماماً واسعاً بمعارف شتى .
ولذا خلف لنا علماء أسرة أبو بكر الملا المؤلفات والمصنّفات الكثيرة عبر العصور والأجيال في مختلف جوانب الفكر والمعرفة ، وقد تركوا لنا من الآثار والمؤلفات المتعددة في مجالات المعرفة والفنون ما يربو على مئتي مؤلف ما بين التصنيف والاختصار والتحقيق .
وقد نهج علماء الأسرة في مؤلفاتهم ومناقشاتهم لقضايا الفكر منهجاً وسطاً الأمر الذي ساعد على انتشار مؤلفاتهم وآرائهم في مختلف أرجاء العالم الإسلامي ، حيث تلقاها العلماء والقارئون والباحثون من العالم الإسلامي بالرضا والقبول .
وقد اشتهرت أسرة أبو بكر الملا بالفضل والمكانة العلمية لما كانت تقوم به من جهود في تربية أبنائها على محبة العلم وأهله والتفرغ له ، وإنشاء المدارس والأربطة. الأمر الذي جعلها مقصد طلبة العلم من أرجاء مختلفة من بلاد المسلمين ، فضلاً عن العلماء الرحّالة الذين يؤمون منازل أهل العلم من أبناء أسرة أبو بكر الملا، ويقيمون في منازلهم وأربطتهم ومدارسهم ومساجدهم ، ويراجعون مسائل العلم في الفقه واللغة والسنة المطهرة وغيرها .
رباط (الشيخ أبو بكر) :
في أواخر القرن الثالث عشر الهجري زاد إقبال الوافدين إلى الأحساء من المناطق الأخرى ودول الخليج العربي ودول أخرى من مختلف أنحاء العالم بغرض طلب العلم في مدارسها وحلقات مساجدها ولم يكن باستطاعة الجميع تأمين المسكن والمأكل طيلة فترة الدراسة مما اضطر بعضهم إلى العودة إلى بلادهم قبل إتمام المهمة التي جاؤوا من أجلها . لم يقف رجال العلم العامرة قلوبهم بالإيمان والتقوى موقفاً سلبياً تجاه هذه المشكلة فقام الشيخ عبدالله بن الشيخ أبي بكر بن الشيخ محمد بن الشيخ عمر الملا عن نفسه وبوكالته عن بعض رجال الخير كالحاج عبدالله والحاج سليمان ابني المرحوم حمد بن عيسى ببناء الرباط في محلة الرويضة بالكوت عام 1284هـ في موقع مناسب قريب من المدارس والمساجد التي تقام فيها دروس العلم.
كيفية بناء الرباط ومحتواه
ومبناه مكون من طابقين وكل طابق يتكون من عدة حجرات من الجهات الأربع أمامها أروقة وتتوسطها ساحة مكشوفة وجناح شرقي يشتمل على بئر الماء والمطابخ والمرافق الأخرى ، والمواد المستخدمة في البناء هي الجص والحصى وأسقفه وأبوابه من أخشاب الأشجار المحلية وجذوع النخيل . وشكل المبني منسجم مع المباني المحلية من حيث الطراز المعماري ، يبين كيفية تمويل الرباط والنفقات المختلفة وتمول النفقات من محصول مزارع الأرز وبساتين النخيل ، وخصص ثلثا المحصول لنفقات الطلاب المقيمين فيه والغرباء عابري السبيل والثلث الباقي للقائمين على خدمة هؤلاء فكان بمثابة القسم الداخلي لطلاب العلم وبه قسم مخصص لعابري السبيل من الفقراء الذين يأتون من الهند وباكستان وبلاد فارس بقصد الحج إلى بيت الله الحرام ، ويؤمن لقاطنيه من الدارسين والوافدين وعابري السبيل الأكل نهاراً وليلاً .
وكان الشيخ عبدالله بن الشيخ أبي بكر المتقدم ذكره أول ناظر للرباط حتى وفاتته سنة 1309هـ وتولى النظارة بعده ابنه الشيخ أبو بكر . وفي عهدهما شهد الرباط نشاطاً علمياً وثقافياً مكثفاً فكانت تقام فيه بعض الدروس نهاراً والمساجلات الشعرية والمسامرات الثقافية بين الطلاب ليلاً ، كما كان الرباط مكاناً يقوم فيه طلاب العلم بمراجعة الدروس التي تم تحصيلها في المدارس الشرعية والحلقات المقامة في المساجد وأيضاً يقومون بالتحضير للدروس اللاحقة وهذا الأسلوب كان متبعاً لطلبة العلم لتثبيت ما تم أخذه بالمدارس الشرعية التي كان يدرس فيها طلاب الرباط في تلك الفترة كانت هناك العديد من المدارس الشرعية التي كانت تنتظم فيها الدروس الشرعية في الفقه وأصوله وتفسير القرآن وعلومه واللغة العربية وحفظ المتون والمعارف المختلفة ومن هذه المدارس التي كان يدرس فيها سكان الرباط :
المدرسة الجديدة :
أسسها الشيخ عبدالله بن الشيخ أبي بكر الملا بمساعدة أهل الخير – وهما الحاج الشيخ عبدالله بن سليمان بن دهنيم ، والحاج الشيخ راشد بن محمد القاسمي حيث كان أول ناظر لها ومدرس فيها وتسلست نظارتها والتدريس فيها من بعده في أبيات وأحفاده ، وتقع هذه المدرسة بفريق الرويضة في وسط حي الكوت .
مدرسة تحفيظ القرآن الكريم :
تأسست في جمادى الأولى سنة 1295هـ حيث أوقفها الحاج الشيخ سليمان بن أحمد بن عيسى وإخوته على يد الشيخ عبدالله بن الشيخ أبي بكر الملا وتسلسلت في أبنائه وأحفاده من بعده ، وتقع هذه المدرسة بفريق الرويضة في وسط حي الكوت .
(القاطنين في الرباط ) :
كما كانت هناك عناية فائقة بقاطنيه من طلبة العلم سواء من الوافدين أو الدارسين من الأحساء وأذكر هنا بعض الطلبة على سبيل المثال لا الحصر :
فمن الوافدين :
الشيخ عبدالله بن الشيخ إبراهيم الأنصاري مدير الشئون الدينية بدولة قطر والشيخ أحمد بن حجر أبو طامي القاضي بدولة قطر ، والشيخ سعيد العماني من علماء عمان، والشيخ محمد اليافعي ، والشيخ عبدالله بن عبدالرحيم العبادي من علماء الحرم المكي ، والشيخ محمد سلطان العلماء ، والشيخ سيف بن هلال ، وابنه الشيخ محمد نور المدرس بالحرم المكي ، والشيخ عبداللطيف بن سعد رئيس محاكم البحرين ، والشيخ يحيى الكمالي قاضي فارس ، والشيخ يوسف الصديقي قاضي البحرين ، والشيخ محمد بن خلف قاضي الفاو ، والشيخ عبدالرحمن الكويتي قاضي الجبيل ثم الكويت ، والشيخ كرم البلوشي قاضي البلوش ، والشيخ يعقوب البلوشي قاضي البريمي ، والشيخ عبدالرحمن المهزع قاضي البحرين .
ومن أهل الأحساء الشيخ عبدالله عبدالرحمن الملا صاحب مكتبة التعاون الثقافي قبل سفره للدراسة بالجامعة الإسلامية بالهند ، والشيخ عبدالعزيز العبيد الله ، والشيخ عبدالله بو شبيب والشيخ عبدالعزيز العكاس والشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف الجعفري والشيخ أحمد بن عبداللطيف الجعفري ، والشيخ عبدالعزيز المصطفى والشيخ محمد بن عبدالرحمن الجعفري والشيخ عبداللطيف بن حمد النعيم والشيخ عبدالله والشيخ محمد والشيخ عبدالرحمن والشيخ أحمد أبناء الشيخ أبي بكر الملا وكذلك أبناؤهم وكثير من أبناء أسرة أبو بكر الملا .
وصادف ذات مرة أن تخلف الشيخ أبو بكر عن حضور الدرس بالرباط بسبب وعكة صحية فأرسل إليه تلميذه الشيخ عبدالعزيز العكاس قصيدة مكونة من خمسة عشر بيتاً قال فيها :
ما بال دمعي على خدي يذكرني
يا لائمي في هوى ذات الملاح أفق
فاقت جميع الملاح الغيد وافتخرت
إن رن مزماره في ريع مدرسة
هتون مزن بوبل ظل منسكبا
فمسمعي صمم لا يصغي لما كتبا
كما أبو بكر فاق السادة النجبا
لصوته رقصت طير السماء طربا
وحول تنظيم الرحلات والزيارات لقاطني الرباط من خارج المحافظة نوة الدكتور الملا ان الشيخ عبدالله بن الشيخ أبي بكر المتوفى سنة 1352هـ يشارك زملاء طلاب الرباط الإقامة جل وقته ويحضر إليهم ليلاً ويداه مبسوطتان يتفقد أحوالهم ويسأل كل فرد منهم عن حاجته الأمر الذي جعلهم لا يشعرون بالغربة بل كانوا يحسون وكأنهم بين أهليهم وذويهم وكان للشيخ عبدالله شأن كبير ومكانة مرموقة، وكان يرتب شئون رحلاتهم الترفيهية إلى بساتين النخيل أيام الثلاثاء والجمعة ، والأماكن التي اشتهرت بها الأحساء كمسجد جواثا وقد توفي رحمه الله في حياة والده فافتقده الرباط وحزن عليه زملاؤه لما كن يتصف به من كرم الأخلاق وجميل الخصال ثم خلفه أخوه الشيخ محمد حيث كان خير خلف لخير سلف لما يتمتع به من مكانة علمية واجتماعية فاستمر فيه حتى وفاته عام 1395هـ فرحمه الله رحمة واسعة .
وفي هذه الأيام توجه أبناء الأسرة لمواصلة مسيرة أجدادهم فعمل على ترميم الرباط وتهيئته للغرض الذي بني من أجله .
صيانة الرباط :
كان للرباط منذ إنشائه عام 1284هـ صيانة متفرقة ومختلفة لكنها كانت صيانة محدودة إلا أنه في عام 1430هـ تم عمل صيانة متكاملة وتحديث لما يناسب العصر الحديث مع بقائه على الطراز القديم وعلى توزيع الغرف المخصصة لطلاب العلم واستمر ترميمه لمدة سنتين تقريباً حتى ظهر بالشكل الحالي الذي استحسنه كل من زاره من أصحاب الفضيلة والعلماء داخل المحافظة وخارجها .
دوره في الوقت الحالي :
استمر أبناء هذه الأسرة بالدور الريادي الذي كان يقوم به الرباط وتم تفعيله بما يضمن استمراره منارة إشعاع فأصبح تقام فيه بعض الدروس واستقبال بعض طلبة العلم من بعض دول الخليج لحضور جزء من الدروس الشرعية التي لازالت تقام في المدارس الشرعية والمساجد .
ودعي الدكتور الملا الاعلاميين بالبحث عن الجمال في محافظة الاحساء وتنوعة وكذلك تذوق البحث عن سيرة علمائها وطبيعة ارضها المباركة واثارها وما احتوتة من نسيج اجتماعي لامثيل له في سائر الدول .