فقدت مواطنة إماراتية الوعي ودخلت في غيبوبة دون ان تتحسن حالتها لمدة 27 عاماً، تنقلت خلالها بين مستشفيات داخل الدولة وخارجها، إلا أنها بقت عاجزة عن الحركة والكلام. وبعد ان فشل الأطباء في علاجها أو إفاقتها من حالة الغيبوبة التي دخلت فيها، أعلموا أهلها أن الحالة غير قابلة للتحسن، إلا أنها خالفت كافة التوقعات في الأسبوع الأخير لها في إحدى مستشفيات ألمانيا وأثناء تجهيزها للعودة إلى الإمارات نطقت أسم أبنها الأكبر عمر وبدأت في الوعي والكلام.
منيرة عمر عبدالله، محفظة قرآن شابة تعرضت لحادث في العام 1991 خلال عودتها ونجلها الأكبر عمر 4 سنوات من إحدى رياض الأطفال في العين، تاركة خلفها في المنزل رضيعتان الكبرى عام ونصف والصغرى 4 أشهر، حيث صدمت حافلة ركاب سيارتها، ما نتج عنه إصاباتها بإصابات خطيرة أدخلتها في غيبوبة، لم تخرج منها إلا بعد مرور 27 عاماً.
وقال الابن الأكبر للمريضة، عمر احمد محمد وبير لـ”الإمارات اليوم”،”كنت في الرابعة من عمري وقتها، إلا أنني أتذكر جيداً الحادث، كنا في طريق عودتنا من الروضة، حيث أتصلت المدرسة بأمي وأخبرتها بأن الحافلات متوقفة اليوم وعليها المجيء لاستلامي، كانت سعيدة جداً وكنا نجلس في المقعد الخلفي للسيارة، وجاءت حافلة ركاب مسرعة وصدمتنا، فحضنتي أمي وحمتني بجسدها وتلقت هي الصدمة وحدها”.
وأضاف عمر: “في ذلك الوقت لم يكن هناك هواتف محمولة ولا وسائل اتصال سريعة لطلب النجدة، وظلت أمي مصابة في الطريق إلى أن حضرت الإسعاف بعد 4 ساعات، أتذكر الحادث كما لو أنه وقع أمس، كان الناس يمرون علينا في الطريق ويترحمون عليها ظناً منهم أنها ماتت، وعقب نقلها إلى المستشفى حاول الأطباء علاجها إلا أن حالتها كان خطرة جداً، وتم تسفيرها إلى لندن، وهناك دخلت في غيبوبة وكانت لا تستطيع إلا تحريك عينيها فقط، وكانت تشعر بالألم وتستطيع نقل إحساسها إلينا من خلال شكل وحركة العين، وتم إعادتها للدولة مرة أخرى”.
وتابع: “أمي تعد حالة نادرة، فقد قضت أكثر 27 عاماً في غيبوبة لا تستطيع إلا تحريك عينيها فقط، نعرف ما تشعر به من آلام من خلال تعبيرات وجهها، حتى الغذاء ينقل لها عن طريق أنبوب تغذية، إلا أنني وشقيقتاي لم نفقد اعزمنا وإصرارنا على مواصلة المشوار والتمسك بالأمل، وأكثر ما كان يؤلمنا مشاهدة تعابير وجه والدتنا التي تعكس شعورها بالألم وقيام الأطباء بإعطائها مسكن لعدم معرفتهم سبب شكواها”.
وأشار عمر إلى أن والدته كانت تعمل قبل الحادث محفظة قرآن، لذلك صبرت على الابتلاء وتحملت، وكان يشعر بها من خلال تعبير وجهها وكأنها تقرأ القرآن وتناجي الله وتدعوه، لافتاً إلى أنها كانت نفس تعابير وجهها وهي تقرأ القرآن في المنزل قبل الحادث”.
ولفت إلى أن والدته أفاقت من غيبوبتها وبدأت في الكلام خلال تواجدهما في ألمانيا، وكان قبلها قد حلم بأنها أفاقت وطلبت منه اصطحابها إلى السوق، وأخبر الأطباء بأنه لديه يقين بأن والدته ستفيق من غيبوبتها إلا أنهم لم يصدقوا حديثه، وأخبروه أن لا فائدة من وجودها وأنها حالة فريدة من نوعها خاصة وأن أطول فترة غيبوبة مسجلة لديهم تبلغ 16 عاماً وحالة والدته كانت قد تعدت 27 عاماً فطلب منهم إعداد تقرير طبي بحالتها الحالية تمهيداً لعوتهما إلى الدولة وخلال الأسبوع الأخير لهما في ألمانيا تعرضت والدته لنوبة صرع وفي اليوم التالي لهذه النوبة بدأت في الكلام”.
وقال: “أول كلمة نطقت بها هي أسمي، وبعدها بدأت في قراءة القرآن والدعاء، وقتها لم أصدق نفسي عندما سمعت صوتها، وظللت أبكي وأقبل يديها، وهي أيضاً كانت تبكي، فقد دخلت في الغيبوبة ونحن أطفال، وعادت لنا وأنا رجل وشقيقتاي احداهما متزوجة والأخرى طبيبة أسنان، مشيراً إلى أنه كلما يتذكر الموقف يشعر بأنه طائر في السماء من الفرحة”.
ووجه عمر أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على دعمه لكافة المواطنين والمقيمين، مشيراً إلى أن ديوان سموه سفر والدته إلى ألمانيا للعلاج، وتحمل كافة نفقات العلاج والإقامة بمجرد علمهم بحالتها ودون أن يتقدموا هم بطلب لذلك.
وأشار إلى أن والدته منذ الحادث وحتى الان وهي نزيلة المستشفيات، لم تعود إلى منزلها مطلقاً، حيث أنها نزيلة حالياً في أحد مراكز التأهيل الطبي في أبوظبي، خاصة وأنها لا تستطيع الحركة إلا بصورة بطيئة نتيجة تشوه الأطراف والعضلات بسبب طول مكوثها في الفراش بدون حركة.
وأكد عمر تعرضه خلال فترة رعايته لوالدته إلى مصاعب كتير، في عمله لتأخره في بعض الأوقات نتيجة تعرض والدته لمضاعفات واضطراره للتواجد معها، بالإضافة إلى أنه وشقيقتاه كانوا يستذكرون دروسهم ويرعون والدتهم في الوقت ذاته، بالإضافة إلى القيام بمهام المنزل، إلا أن استرداد والدتهم لوعيها أنساهم كافة المتاعب وأعاد لهم فرحتهم المفقودة منذ 30 عاماً.
ودعا عمر جميع من لديهم مرضى أن يتمسكوا بالأمل طوال الوقت ولا ييأسوا أبداً من الشفاء ورحمة الله الواسعة، ويكونوا سنداً وعوناً للمريض، لأنه في هذا الوقت يكون في حاجة ماسة لهم، لافتاً على أنه وضع رعاية أمه في المقام الأول فكافأه الله بالكثير.