اصعب اللحظات واشدها ألماً عندما تكتب عن شخصية قريبة جداً منك ومعروفة عند اغلب القراء فتحتار من اين تبدأ وكيف ينطلق القلم ، ومايزيد من صعوبة الكتابة عن تلك الشخصية ان كل تفاصيل حياتك الصغيرة والكبيرة كان لهذه الشخصية دور في تكوينها . فهو الوالد والعم والأستاذ والمربي والقدوة . انه الأستاذ الوالد أحمد بن سعد مبارك الكليب . هذه الشخصية المحبوبة والمألوفة عند اغلب أهالي العيون ان لم يكن جميعهم . فالشيوخ تعرفه وتحترمه والشباب توقره وترتاح للجلوس معه . اقرب وصف له انه مجموعة رجال في رجل وكل رجل فيه له من الخواص النادرة والخصائص المميزة . كان يصنع البسمة والضحكة في وجوه من يجالسه وكان مجلسه لايمل واشبه بجامعة كل مافيها نافع . احب الناس فاحبوه واحترم الناس فاحترموه .شخصية في هيبتها وقار وطيبة . كان رحمه الله يعامل الجميع سواء كبار سن او شباب معاملة المحب والعاشق لهم . كتابة مقطفات من السيرة العطرة للوالد احمد بن سعد الكليب لا يكفيها مقال أو مئة مقال ولا ابالغ ان قلت سيرته رحمه الله تحتاج مجلدات وموسوعات فما املك من تاريخ الوالد ابوسعد قد يكون يسيراً بالمقارنة مايعرفه الكثير من اهالي العيون عنه ، فلكل شخص يعرفه لديه من الذكريات الجميلة والقصص المضحكة ولا اجزم اذا قلت كل قصة قد تكون حصرية مع كل شخصية عاشت مع الوالد احمد رحمه الله.
لكي استطيع الامساك بخيوط المقال ولا يسرح بي الخيال ولا تتقلب الذكريات فيسترسل القلم دون شعور . جعلت المقال محصور في اربعة مواضيع وهي القلم والعلم والكرم والابتسامة أو الضحكة ،فهذه الصفات هي الصفات البارزة في شخصية والدنا المربي أحمد الكليب (بُني) وان كانت كل صفاته ولله الحمد جميلة ولن اتكلم عن صفاته الدينية ومحافظته على الصلاة فتلك اجرها عند الله ولانزكي على الله احد وان كنا شهداء الله على الأرض فانه كان حمامة المسجد وقت قوته وكان يتلذذ بقراءة القران وتدبره ومحب لقراءة التفاسير ومابينه وبين الله لايعلمه الأ الله .
نبدأ بارتباط القلم مع الوالد احمد رحمه الله . كان الوالد رحمه الله من الرعيل الأول أو الثاني الذين تعلموا في المدارس النظامية حين افتتحت في مدينة العيون فقد كان يتمتع بموهبة جمال الخط حتى انه اتقن خط الرقعة والنسخ اتقاناً تاماً وله قدرة في الكتابة بالانواع الآخرى ولكنها ليست بقدرة خطي الرقعة والنسخ وبالإضافة لجمال خطه كان يتميز بالتعبير والبلاغة حيث اثرت كثرة قراءته للكتب في تطوير مهاراته اللغوية وهذا ماسنتحدث عنه بأذن الله في الجزء الثاني . نعود للقلم مرة أخرى بما حباه الله من موهبة في جمال الخط وحسن التعبير فقد سخر تلك الموهبة في خدمة الناس فكان لأكثر من ستين عام الكاتب المميز للمعاريض والمطالبات في مدينة العيون ، حيث كان يكتب المعاريض والخطابات لكل صاحب مظلمة أو طلب وماكان يميزه رحمه الله علاوة لجمال خطه وحسن تعبيره، سرعة بديهته وفهمه للموضوع الذي يحكيه صاحب الطلب أو المظلمة والشكوى وقدرته على تلخيصة في عدة اسطر لاتتجاوز الصفحة فقد كان يكتب الخطاب بصورة يرتاح لها المسئول سواء في الاختصار أو الاسلوب وهذا ماكان لخطاباته من صدى ونتيجة تعود على صاحب الخطاب بالمنفعة أو بإنجاز ما كان يطلبه وجميع من كتب لهم خطابات يثنون على خطاباته ومدى استفادتهم منها .
على مدى ستين عام وهو يكتب خطابات ومعاريض بشكل شبه يومي لم يتذمر ولم يبدي أي تملل أو انزعاج لأنه رحمه الله كان يدرك أن شكر نعم الله تستوجب منفعة الناس بما حباه الله من مواهب . كان يفرح عندما يسمع من صاحب الخطاب ان الخطاب اتى بنتيجة لصالحه وهذه الفرحة كانت أغلى هدية يتلاقها من صاحب المعروض ويشعر أنه ساهم ولو بقدر قليل في منفعة الناس .
كاتب المعاريض أو الخطابات في ذلك الوقت كان اشبه بمحامي ومستشار ولما للمرحوم بأذن الله من خبرة في قضايا كثيرة كان يكتب عنها ، كان لا يبخل بنصح صاحب الخطاب أو الشكوى واذا رأى بصيص أمل في الصلح بين المتخاصمين فأنه رحمه الله كان يبادر في الأصلاح خصوصاً ان كلا الطرفين طلبوا منه كتابة شكوى أو معروض وهذا يدل انه رحمه الله كان محل ثقة لدى الجميع حيث كانوا يعلمون انه الكاتب الوحيد للمعاريض والشكاوي ولكن لثقتهم فيه كانوا ياتون اليه دون النظر انه كتب خطاب للخصم .
مات المرحوم بأذن الله ولم يفارق القلم حتى وهو في اعز حالات المرض كان القلم في جيبة ، كان يشعر بالراحة عندما يتذكر بأن هذا القلم كان مصدر لنفع الناس بعد الله وكان يتذكر الأيام الذي كان يمسك القلم ويخط الخطاب بخط بجميل واسلوب مميز لكي يجهزه لصاحبه الذي كان يتأمل موافقة المسئول على طلبه بفضل الله ثم بفضل قلم الأستاذ المربي احمد بن سعد الكليب رحمه الله .
عندما كثر المتعلمين وكثر كتاّب المعاريض والخطابات لم يثق الناس الأ في (بُني ) الأستاذ احمد لعلمهم ان اسلوبه وخطه يأتي بالنتائج الإيجابية بعد فضل الله .
رحم الله والدنا واستاذنا ومربينا أحمد بن سعد مبارك الكليب فقد سخر قلمه لخدمة الناس ولم يرتجي من ذلك الا الأجر من الله . نسأل الله العلي القدير ان يجزيه على ماقدمه للناس وينور قبره بفضل دعوات كل شخص كان لقلم المرحوم بأذن الله فضل بعد الله في الحصول على حاجته وكما كان يسعى في حاجة الناس ندعو الله ان يسعى في حاجة والدنا رحمه الله ويغفر له ويدخله جنات النعيم .
الجزء الثاني سوف نتحدث بأذن عن المرحوم بأذن الله في العلم والتدريس والثقافة واسهاماته ومواهبه فيهم .