تنقسم الكتابة إلى الواقعية والخيالة، وتندرج تحت مسميات شتى منها: الوظيفية والإبداعية والإقناعية، وجُلها يصب وينطوي تحت إطار المعرفة والثقافة..
والسؤال هُنا:
ما هي أهداف وأبعاد أي كتابة شعرية كانت أو نثرية أو تقويمية ونحوها؟
برأيي إن لم ترتكز أي كتابةٍ على خمسةٍ لا قيمة لها.. فالواقع أولها، والخيال ثانيها، والصدق مصدرها، والشمولية رابعها، والحيادية تحويها..
نعم، متى ما تجرد وانتصر الكاتب على نفسه كانت كلماته ومُرادفاته واصلة وحاصلة وناقلة للقارئ الحصيف..
فالكاتب البارع كما هو المُخرج المُبدع.. الذي يتلمس معالم لغة الجسد ونبرة الصوت للمشاهد والأمور المغفول عنها بالملامح.. إما لجانبٍ تأثيري أو لجانبٍ تساؤلي منطوٍ تحت سرعة البديهة للفطن والمُتابع الكيس..
وكيف تكون رسالة الخاتم من دون القائم ــ أي الكاتب والنص ــ والذي جسد القضية والحالة التمثيلية بالمسرح وكذا الأعمال التراجيدية والكوميدية وكذلك بالأعمال الصامتة.
يُثير تعجبي ممن يكتب الشيء ولا يُطبقه على ذاته، وكأن المسألة مُندرجة تحت هذا الاستفهام: ألا يكفيني أنني دللتك على الطريق؛ فيكفيني أنني أدرت المفاتيح حولها بالالتواء؟!
من الجميل أن نستحضر الإنسانية، ونستدرج الشاعرية والشعورية، ولكن ما حقيقة هذا على المصداقية والذاتية والمحيطية للمكان والزمان؟
من السهل اليسير جداً لكل إنسانٍ قولبة المعاني، ورصف الكلمات بالأماني والمعاني، ولكن بشرطها وشروطها..
لذا، دع عنك كلام هذا، ووصاية ذاك..
واكتب ذاتك، وقوم ثباتك بالتحدي والتأثير.. فالمثقف الحقيقي هو من ينزل بين الناس ويستنهض إنسانيتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم للسمو والتحليق والعمق الوجداني.. إلى درجة أن الأغلب منهم يقول لك بنهاية المطاف: “هذا اللي في بالي وأنت الذي كتبته”..
سأهمس في أُذنك بدعاء المحبة وتأمله جيداً:
بالتأكيد أنك كتبت يوماً ما رسالة لخطيبتك، أو لصديقك، وساعة ما انطوى عليها الزمن، واطلعت عليها الآن استثار تعجبك من نفسك بهذا التواتر الشائع: “معقولة هذا أنا اللي كتبته”؟!
أجل، أنت الأجدر بكتابة ذاتك، متى ما قولبتها بالقراءة والإطلاع والبحث للوصول إلى الحصيلة المعرفية..
فالكاتب الحقيقي وليد زمانه ومكانه، ولا تُقصر تجاهك بالتواصل والاستشارة ورؤية التجارب، ومُتابعة السيرة والمسيرة.. وإياك أن تلتفت للأقلام المهجورة والمأجورة؛ والتي تدّعي الرغبة وتستجدي (المطبة).. فسحائب الصيف كثيرة ووفيرة بالبرق من دون المطر أو الغيث العميم..
بمعنى: إياك أن تجعل مدونة صريرك في جوب الأدراج، وتُصبح كما هو الوعاء الذي تديره كل الملاعق، وتستطعمه جُل اللواعق.. فتدوين الحرف ظاهره لعمرك، ومآثره بحضورك وسرورك..
ألا يكفيك أنك كسبت التجربة وأعمدة الرهان؛ بإظهار اسمك لأهلك وأسرتك ومُحيطك.. والذي سيختصر المسافة عليهم بإذن الله يوماً ما.. إذا وضعت المقارنة بين عمرك بأعمارهم فوق مجهر الحياة..
وإياك أن تتشدق بين الأنام بعنوان أول نصٍ أظهرك وعرّفك بالجمهور، وأنت تُخبئ الآن هفواته وشتاته داخل ضميرك الواهم وحديثك العائم، والسلام.