منذ أن تركتُ مقاعد الدراسة في التعليم العام قبيل أربعون عاما مضت لم أعد أتذكر معاناة من يعملون في التربية والتعليم عبر صفوف الدراسة في مدارس التعليم العام ، رغم زياراتي المتكررة لمدارس الأبناء للاطمئنان والمتابعة ، وكانت جُل تلك الزيارات ودية وفي ظروف عادية مقبوله ، غير أن زيارتي الأخيرة التي كانت قصريا لطلبي من قبل المدرسة والقائمين عليها بسبب تأخر ابني على الاصطفاف الصباحي ، وعندما طُلبت وتأخرت في الإجابة اتبًع المربون اسلوبهم الخاص في ارغامي بالمراجعة بسحب الكتب الدراسية من ابني وطالبوه بعدم الحضور إلا برفقتي ، فتملكني الغضب في الوهلة الأولى عندما بلغني الابن بذلك ، فتواصلت مع بعض الزملاء العاملين في سلك التعليم من المعلمين والاداريين اسألهم عن قانونية هذا الاجراء ، وقررت أن أتوجه بشكوى إلى مدير التعليم بل إلى الوزير مباشرة ، وكنت في غاية الغضب وفي قمة الزعل ، رغم ان من استشرتهم من الزملاء طالبوني بالتروي وعدم الزعل والذهاب إلى المدرسة والمراجعة في هدوء ، بل اجزم احدهم ان الامر اهون من ذلك بكثير وان ما قاموا به المسئولين في المدرسة انما يصب في صالح الابن ، وانهم يعاملون الطلاب جميعهم كأبنائهم واكثر ، فذهبت صبيحة اليوم التالي فاذا بي اتفاجاة باستقبال راقي وحديث متزن ، ووجدت وكيل الصف يجلس على طاولة متواضعة واوراقه متناثرة ، وامامه أولياء أمور طُلبوا لنفس السبب ، وعدد من الطلاب عليهم نفس ملاحظات ابني فتيقنت ان الامر من خلفه مقصدا تربوي ، وان ما يقدمونه من جهد لا يقدر بثمن ، فأكمل معي ومع جل الإباء الامر برقي ثم ذهبتُ إلى مدير المدرسة فوجدته يتعامل بنفس الرقي وبادر بتوجيه كلمات ابوية تربوية إلى الابن في وجودي بعثت في نفسي ارتياحا كبيرا وايقنت ان ابني في ايدٍ امينه ، وان من يعملون في سلك التعليم انما هم مربون صالحون يقدمون جهدا خارقا من اجل أبنائنا فلهم مني وللمربيات امثالهم الف تحية وشكر وتقدير.