أتتني رسالتك بين زحام الكلام يا صديقي، فلا غرو منك يا “حمد علي” أن تستل من جيب ذاكرتك تعرجات أزقة الفريج، وصوت (أبو طبيلة) مع ضجيج (طوب) ريش الحمام، والحديدة المثقوبة لوضع بارود أعواد الثقاب، والمسمار الأسمنتي (للصقعة بالجدار)..
فقد أودعتني منذ عامٍ كلامك: لماذا كلما تجدد شهر رمضان تجذر بوجداني الحنين للذين أودعناهم التراب؟
وكيف لهذا الاشتياق أن يتردد بداخلي؛ وقد عمّت أطراف سفرة الخوص (تُميرات الجود وصحون الموجود للمعدن الأبيض بالهريس والبلاليط ومكرونية أبو ديك)؟
وأنّى لطرقات أيادي عيال جيراننا أن أنساها؛ فطفولة حسن ذو الشعر الأشقر تسحب خيط الباب بكل براءة للهجته الحساوية: (أهنه أحد).. وتُجيبه جدتي: (الله حاضر، دش يا ولديه حسون).. وفوق رأسه (قفة المطبوخ).. وجبينه يتصبب عرقاً، وثغره يتسع المكان بالفرح والابتسامة؟
فكلما عاود شهر الخير والصيام، تراجعت بنا عقارب الساعة للوراء، وتذكرنا أمسنا وحاضرنا، وتناثرت منا أعداد الصور والوريقات الصُفرْ.. من تلك الصناديق القديمة بأُحجيات دواليب الحُجرات وغُبارها المُتطاير!
إلى ختم سلامه: علام يزداد الناس بالحضور لزيارة المقبرة وأيام العيد بعد صلاة الفجر؛ وقد تعثرت خطواتهم بين محابس رعشة الأنامل ودموع النوازل؟!