أجزم حقاً أن كل واحدٍ منا حينما يزور مساكن أصله ورقائق فصلة، سيشتم عبق الطين في رائحة أهله وعشيرته، وجيرانه ونخوته!
كيف لا، وهذا ما رأيناه وتربينا عليه في هفوف أحسائنا الحبيبة، مروراً بالرفعة الشمالية والجنوبية والوسطى والكوت، وختام المسك بين النعاثل (الشرجي والجبلي).. حتى صال وجال بنا المسير بين القرى في كافتها بالطبخ للأعراس، وزفة الأفراح (بالجلوات)، وأعواد النجارة لغرف النوم (والموبيليا) بورشة التوفيق، وبصمة حملة القرين للحج والعمرة لتنوع أعمال الوالد (رحمه الله).
تلك المقدمة البسيطة كتبتها لأصل (سدوة) ضيفنا المُبجل، (بمزاراق) إيمانه المُجلل، وضمير صبغة وعيه المُحول، وصهيل أنامله لكل حرفةٍ عمل بها وأشاد بفحواها، وأوضح معانيها بأبجدية نجواها.. لتقاسيم وجهه بنوره الأصيل، واختزال عطفه النبيل، ودعاء وصله الجليل، وسمو سجاياه الحميدة، وخُطى حروفه الرشيدة في كل مسلكٍ عرفه لحداء الطين بالمسجد والمأتم والأزقة!
نعم، ماذا أقول لرجلٍ إذا تحدث عن اليتيم أبكى المآقي بكلامه، وأوصى العيال بسلامه، وسعى بقلبه وقيامه..
حتى عرفه من أحبه بالوفاء والإنسانية، والبعد عن الصخب والضجيج..
أتحار المعاني كتابتك، وأنت تمرة لم يُنْسها تقلب الأهواء والأجواء لفم كل نخلةٍ هجرية بين (النعاثل والفريج وبني معن)، ورقة ماضٍ في قساوة الزمن، لرحيل ابن أمك، وجلباب عُمرك الُمرتهن؟!
أجل، لم تُنسني الأيام لتلك الحفنة المطوية بمنديلٍ للفقير، أم تجوالك مع الخليفة للتعمير، أو ابتسامتك الساخرة على عتبات الزمن الثابت، والمُتغير بتلون ساكنيه وأُناسه!
فهل تتذكر حجّي عبد الوهاب الخليفة (بالمسيان)، وحجّي جاسم الجاسم (بالقايلة)، وحجّي موسى بن قرين (بالعتمة)، والحاج حجي حمزة الفهيد (بالتسيورة)، وحجّي يوسف الدخلان (بالطبخة)، ومجلس (الشبان والكبيرة بالجمعة)، والحجية أم ياسين البن صالح (بالزيارة)، وبيت عبدالله بن نصر (بالحمولة)، (وچيسة الحويجة بالجمولة)، والحجّية أم صالح بن شمس (بالتحميدة)، وسيد إبراهيم الغافلي بترشيده، (وساباطه) بيت الطويل (ابرباه)، (وبارقة) شيخ الغريري عبد الوهاب بتهليله، (وحچي) الحاج ناصر بوعيسى وتحنانه، ونصيحة حجّي عبد الله بوقرين وعطفه، (وصكة) منزل حجّي جاسم البركات وإيمانه؟
أيُّ إنسانيةٍ تحملها بين أضلاع صدرك لصديقٍ فقدته بدموعك..
وأنت تزوره في حياته بالمداومة، رغم أن المرض أوجعه، وأرهق كاهله حتى أنسته ذاكرته من أنت؟!
ولكن لم تُتعبك الأيام بالتنصل عن زيارته، وكأنك تقول لنا:
“إذا الكبر أنساه من أنا، فقلبي يعرف من هو”!
.. علمنا يا عمنا كيف نُهيل التراب على رؤوسنا بالصدق والتواضع، وكيف نكون قدوة بالصمت والطبائع، وعرفنا كيف نكون شُعلة تطلب الأجر بالفوانيس، وامساك (نصاب فكرنا بالجدوم).. وانحنت كل اسمٍ يمر على أطراف دُكانك الغائب الحاضر بالنجارة والمهارة بشارع (النجاجير)..
حتى يطوف في عقلنا التساؤل والتعجب والاستفهام!
فهل عرفتم من أقصد بكلامي ومرامي؟!
إنه العم اللطيف محمد العبد اللطيف (أبو حسين)