الإسلام كما يعلم القاصي والداني هو دين الفطرة، وجاء متممًا لجميع الشرائع السماوية التي سبقته، فجاء كاملاً لكل متطلبات الحياة الإنسانية حيث قال سبحانه وتعالى ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [ المائدة :٣] , فليس بعد النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – نبي وليس بعد شريعة الإسلام شريعة أخرى، لذا جاءت أحكام الإسلام عامة لجميع الخلق على مر الأزمان والظروف والأحداث.
وفي ديننا الحنيف سواء في القرآن الكريم أو السنة النبوية أحكام صريحة قطعية الثبوت والدلالة، لا يمكن لأي مسلم مهما كان موقعه أو مكانته أن يتخلف عنها أو يغيرها أو يبدلها، كما ترك سبحانه قضايا أخرى رحمة بعباده يقدرونها على حسب المصلحة الشرعية التي تستوجبها حاجات المجتمع المسلم في كل عصر ومكان، والتي منها على سبيل المثال قضايا التعزير وما يرتبط بها من عقوبات فنجد الشارع الحكيم لم ينص على مثل هذه المسائل بعقوبة محددة، وذلك بخلاف مسائل الحدود أو القصاص التي حدد لها أنواع العقوبات بشكل مفصل ومحدد.
حيث قام المشرع السعودي بإلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير مؤخراً، ويرتبط بهذا الإلغاء مصالح قد ارتآها في مثل هذه الظروف المجتمعية والتي من الراجح في أن ينظر المشرع دوماً إلى العقوبات وما يترتب عليها من مصالح ومفاسد تعود على المجتمع أو على الجاني، حيث تعد مثل هذه العقوبات بالأساس عقوبات ردعية وتهذيبية في آن واحد، لذا وجد المشرع في مثل تلك الظروف أن يلغي ما كان معمول به سابقاً من إقرار عقوبة الجلد على مرتكب المخالفات التي تستوجب عقوبة تعزيرية، ولأهمية مسألة إلغاء بعض العقوبات في بعض الأوقات أو إقرارها من وقت لآخر بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة، وما دام أن هذه العقوبة ليست من العقوبات المنصوص عليها في القرآن الكريم أو السنة النبوية مثل الحدود أو القصاص فلا عيب من مراجعتها بحيث يحقق البديل الهدف المنشود ما دام أن الفقهاء قد أيدوا ذلك، وأجازوا تلك المراجعات لأن الهدف ليست العقوبة وإنما الهدف هو إصلاح المجتمع وتهذيب المجرمين.