التورق أن يشتري إنسان سلعة ثم يبيعها نقداً لغير البائع بأقل مما اشتراها به ليحصل بذلك على النقد ويكون الشراء الأول بالأجل أو تقسيطا، والبيع الثاني نقدا ولم ترد التسمية بهذا المصطلح إِلا عند فقهاء الحنابلة، أما غيرهم من الفقهاء فقد تناولوها في مسائل بيع العينة والبيوع المنهي عنها.
الحكم الشرعي للتورق عند جمهور العلماء مباح لعموم قوله تعالى)وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا((البقرة: من الآية275)، ولقوله عليه الصلاة والسلام (بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا)، واختار تحريمه ابن تيمية وابن القيم لأنه بيع المضطر، ما تقدم هو حكم التورق الفردي بحسب ما نص عليه الفقهاء لكن غير وقتنا الحاضر إنتشر مفهوم التورق بمفهوم أخر وهو التورق المنظم أو نظام التقسيط فقد عمد الكثير من الأشخاص إلى التعامل بذلك النظام على نطاق واسع وبمئات الملايين من الريالات ونتج عن ذلك توسع كبير في هذا النوع من التجارة.
صدر قرار مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين خلال جلسته المنعقدة بتاريخ 25/8/1440هـ، على إلغاء نظام البيع بالتقسيط الصادر بالمرسوم الملكي رقم(م/13) في 4/6/ 1426 هـ، كما قرر مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت في 11 /7/1419هـ، وكذلك دورته السابعة عشرة والدورة التاسعة عشرة أن التورق المنظم محرم وأنها مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً.
أن ما يحدث اليوم لدى مكاتب التقسيط بمختلف أنشطتها من تقسيط سيارات أو أجهزة كهربائية أو بطاقات وغيرها فلم يتبقى سلعة ولم يتم أدراجها في قائمة التقسيط، وتكون في جميع حالتها أن يتفق مجموعة من الأشخاص على تقسيط سلعة معينة يتم تدويرها بينهم الهدف الأساسي من تلك العملية تنمية رأس المال، ويتفقون جميعهم على صورة واحده في التعامل حيث يحضر إليهم المستفيد (المتورق) ويتفق على شراء سلعة معينة في أغلب الأوقات لا يشاهدها ويتم الاتفاق معه على سعر الشراء ونظام سداد قيمتها وقيمة بيعها بعد الشراء ويتم تسليمه قيمتها بعد ذلك وتتم تلك العملية في مدة زمنية لا تتجاوز ساعة من الزمن، وبمراجعة عملية الشراء والبيع يتضح أن الهدف ليس عملية البيع والشراء إنما الهدف هو المال وهذا مخالف لما عليه جمهور الفقهاء أيضاً، لحديث النبي r (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)، وقال ابن قدامة في المغني ( روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، وعن بيع ما لم يقبض، وعن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف).
أن ما يتم في داخل تلك المنظمات إن صح التعبير هو دمار اقتصادي للوطن والمواطن، إن حركة تلك الأموال تكون مخفية وتتم بعيداً عن الرقابة المالية التي قد يترتب عليه أمور كثيرة يمكن أن تستغل فيها حركة تلك الأموال في أمور شديدة الخطورة مثل الارهاب وغسيل الأموال وتجارة الممنوعات عوضاً عن الكساد والركود الاقتصادي الذي تسبب به نتيجة ارهاق المواطنين وتحميلهم ما لا يستطيعون سداده بسبب تراكم الديون عليهم حيث أن أغلب من يعملون في ذلك المجال لا ينظرون إلى أمكانية المتورق المالية ومحاكم التنفيذ وأقسام الشرطة أكبر دليل على حجم تلك الكارثة، أن تأثير تلك العمليات يتعدى حجم الضرر المادي فكم من أسر تفككت و كم من علاقات زوجية انتهتوكم من أطفال شردت بسبب سجن ولى الأمر ( المتورق).
أن من يقترب من ذلك العالم (عالم منظمات التقسيط) لا بد أن يكتوي بنارها فداخل في ذلك العالم مفقود والخارج مولود، أنه عالم مليء بالمخالفات الشرعية والنظامية وحان الوقت للجهات الرقابية أن تتعامل مع الموقف بكل حزم وجدية وكم نتمنى أن تتولى هيئة مكافحة الفساد ذلك الملف الشائك وتكون طوق النجاة للوطن والمواطن.
بندر عبد الرزاق مال
باحث قانوني ومدرب قانوني معتمد
عضوية الهيئة السعودية للمحامين الانتسابالأكاديمي
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية الأمم المتحدة (حقوق الإنسان)
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com