كورونا هو ذلك الفيروس الذي غيَّر العالم، وأجبره على قبول نظرية التغيير، والعمل بها في وقت قصير، عام واحد مرَّ على العالم؛ فأغلقت الأجواء، وتوقف الطيران، وأغلقت الدول حدودها، وشُلَّت السياحة، وأصبحت بعض المدن أشبه بمدن الاشباح، فُرض الحظر، فالتزم الناس، وهوت كثير من الاقتصادات، انخفض النفط، بسبب قلة الطلب، وبعض الانظمة الصحية تهاوت، وكثرت الوفيات، حتى فاقت نسبها بعض الكوارث والأزمات.
وما أنزل الله من داء إلا وله شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله.
وقد ساعد تطبيق نظرية التغيير بعض البلدان في النجاح، والخروج من الأزمة بسلام، أو بأقل الخسائر .
وهذه النظرية هي أداة استراتيجية تستخدم لفهم وتصور كيفية تحقيق الأثر وقياسه ومتابعته، حيث تعد نظرية التغيير إحدى الطرق الهامة لأي منظمة أو جهة تود العمل على إيجاد أثر ملموس وقابل للقياس على أرض الواقع. وهي أيضًا طريقة يعتمد عليها لتنفيذ المشاريع والبرامج وقياس الأثر الذي حققته.
تتميز نظرية التغيير عن باقي الطرق والأدوات الاستراتيجية بأنها تتعامل بشكل أكبر مع الواقع، وتُظهر بوضوح العقبات والمتطلبات التي ستواجه طريق التغيير.
كما تتميز أيضًا بالبدء بالأثر المرجو تحقيقه، أو الهدف النهائي، وتنتقل منه إلى شروط أو متطلبات حدوث هذا الأثر، بحيث تتسلل الأسباب المنطقية وصولاً إلى البرامج والنشاطات ومن ثم الموارد والمدخلات.
بدأ تطبيقها كعلم في أوائل التسعينات، مع تأليف كتاب مناهج جديدة لتقييم المبادرات المجتمعية الشاملة، و بدأت نظرية التغيير تكتسب شعبيةً أكبر.
مع أن المتأمل في الهدي القرآني يجد أن نظرية التغيير ربانية بدليل قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]؟
وكثير من الآيات التي تدل على أهمية التغيير والأخذ به لتحقيق النجاح والفلاح وحصول المراد.
وقد ظهر من خلال الدراسات أن لهذه النظرية عوامل تساعد في نجاحها:
الأثر أو الهدف بعيد المدى: وهو الأثر المرجو تحقيقه من المبادرة أو المشروع أو المنظمة، هنا يتم وصف الهدف بعيد المدى الذي تسعى المنظمة لتحقيقه، مثلاً: أهل الحي يقومون بحل مشاكل حيهم؛ أن يكون المسجد مصنعًا لقادة المستقبل؛ إنتاج لقاح لوقف انتشار فيروس كورونا، معالجة الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الوباء .
شروط أو متطلبات تحقيق الأثر، أو المخرجات متوسطة المدى: هي الشروط الواجب توفرها أو تحققها قبل حدوث الأثر، وهي الأمور المنطقية التي لن يتحقق الأثر بدونها.
التدخلات أو النشاطات والبرامج والاستراتيجيات: هي كل ما يجب فعله لجعل الشروط واقعًا ملموسًا.
المؤشرات: هي أدوات القياس التي عن طريقها يمكن إعلان أن الشروط أو الأثر قد تحقق.
الافتراضات: هي توضيح ما سيتحقق من الأثر بعد تحقيق الشروط والتدخلات.
مسار التغيير: هو المخطط الذي يربط ويوضح العلاقة بين باقي مكونات نظرية التغيير.
وبتطبيق هذه العوامل على ما قامت به المملكة العربية السعودية خلال جائحة كورونا نجد أنه قد تحقق ذلك لبلادنا بفضل الله تعالى ثم بحكمة ولاة أمرنا حفظهم الله، ومساندة الجهات المعنية في التصدي للجائحة، قال خادم الحرمين الشريفين أطال الله بقائه: سنبذل الغالي والنفيس حفاظاً على الأنفس، وتلك إحدى الضروريات الخمس لشريعتنا.
فلم توقف الصلاة في حرمنا ولا في مسجد رسولنا صلى الله عليه وسلم.
وعدنا نصلي في مساجدنا، وأقمنا حجنا بطريقة استثنائية، وطبقنا عمرتنا عبر تطبيقنا: اعتمرنا.
ودرسنا أبنائنا عبر: منصتنا .
وأقمنا افراحنا بتطبيق احترازاتنا، وواسينا بعضنا في أحزاننا.
ولم نغلق حدودنا لاستقبال أبنائنا، كما وسهلنا عودة المقيمين لبلدانهم رفقاً بهم.
ودعمنا الاقتصاد والقطاع الخاص لاستمرار مسيرة نهضتنا، كل ذلك وفق خطط مدروسة، ونتائج يصدر على ضوئها القرار، نجحنا في تطبيق نظرية التغيير، ويجب ألا نعود للخلف، ونعتبر من ما مضى، ونستعد لما هو آت، فالمتحور من الفيروس بدأ في عدة دول فسارعنا بتعديل مسار التغيير، وفق المتغيرات الحاصلة، وكما نجحنا من قبل في تخطي الأزمة سننجح بإذن الله في تخطي المتحور من كورونا، وفق الافتراضات التي سنتها الدولة في إغلاق الحدود لمدة أسبوع، إلا للضرورات والطوارئ، وما تعكسه المؤشرات سيبنى عليه القرار، وهنا يكمن دور المواطن في تقبل وتطبيق التغيير المتحتم منه تحقيق الفائدة والمصلحة للجميع، والقادم أجمل بإذن الله تعالى .
التعليقات 1
1 pings
أبو عماد الملاوي
27/12/2020 في 1:33 م[3] رابط التعليق
ماشاء الله مقال جميل وله نصيب من إسمك يا أبو محمد ولامس الواقع بكل صدق وحيادية