( حكاية إبداع انقضى نحبُها مبكِّرًا )
في السادس والعشرين من فبراير للعام المنصرم..كنتُ قد أنهيتُ مشاهدة مسلسل “الملك فاروق” ، الصادر عام ٢٠٠٧م.
وذُهِلت حينها من الجمال والروعة اللتين أُودعتا فيه من قبل صُنَّاعه ، فنقلتُ لبعض أحبّتي ورفاقي شغفٌ كنت أحتفظ به في مخيّلتي ..وأحسبه بعيد المنال أو مستحيلًا ربّما !
وبلسان الطامح الوَجِلِ قلتُ لهم:
حبَّذا لو أصبحت ُ روائية مرموقة في العالم العربي ، فأخُطَّ رواية متكاملة الأركان يتسنّى لها أن تُترجم لعمل تلفزيونيٍّ دراميٍّ ، يحمل توقيع المخرج الكبير “حاتم علي”..
بيد أنَّ الطموح نُسِف حتّى قبل أن يُبصِر النور ..برحيل العبقريِّ المتفوِّق والمتألّق على الدوام.
وهاهو الأسبوع الأوَّل قد ولَّى ، والتعايُشُ مع الفاجعة المدوِّية لمَّا يدخل حيِّز التنفيذ بعد.
(حاتم علي في ذمَّة الله),الخبر الأكثر تداولًا في القطر العربيِّ من شماله لجنوبه،ومن شرقه لغربه..
قلوبٌ فطَّرها ثقيل الحزن والأسى ، وألسنةٌ تلهجُ بالدعاء وقراءة الفاتحة على روح الفقيد.
والحقيقةُ ألَّا غرابةَ في ردود الفعل تلك ، سواءٌ أكانت من المقرَّبين منه ، أم ممن عرف أعماله الحصيفة على الشاشة الصغيرة.
فمن حمل لواء العمل الرصين المُفعم ألقًا ورُقيًّا.
ومن أرشد الوجدان الإنساني لمشاطرة الآخرين الأفراح والأتراح والنجاح والإخفاق ، حرِيٌّ به أن يُكافىء بهذه الحفاوة والتقدير .
حاتم علي المعزوُّ إليه فضلُ لمعان نجم كبرى المواهب التمثيلية في سوريا وغيرها ، والشاعرُ بالمسؤولية الجسيمة حيال مايَعْرِضُ ويُناقِش ، هو ابن الجولان السوري ، والذي وُلد عام ١٩٦٢م .
بدأ حياته بالكتابة في المسرح والنصوص الدرامية والقصص القصيرة.
وقد حصل على إجازة من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وتحديدًا في قسم التمثيل عام١٩٨٦م .
رديف النجاح رحمة الله عليه ، في جُعبته لآلىء مكنونة عدّة ، صانها عن الدركات التي هوى إليها الفنُّ قديمًا وحديثًا ، واستطاع بحرفيته التي لاحدود لها إخراجها للمشاهد العربيِّ بصورة واقعية تعكس آلامه والعقبات الملقاة في طريقه ، وتطلُّعاته ..وبقالب محفوف بالعاطفة الجيَّاشة والصادقة..
وكان من نتاج هذا المزج الذكيِّ مايلي:
-التغريبة الفلسطينية.
-صلاح الدين الأيوبي.
-ثلاثية القدس.
-الزير سالم.
-الملك فاروق.
-الغفران.
-العرَّاب (بجزأيه).
-أحلام كبيرة.
فضلًا عن ٢٥ عملًا آخرين ، حملوا توقيعه ، مع تمثيله في بعضها .
ومِمَّا صدر له من الأعمال المطبوعة:
-الحصار ،ثلاث مسرحيات فلسطينية عام١٩٨٢م .
-طائرة من حديد ،قصص للأطفال.
-ماحدث ولم يحدث ،قصص قصيرة.
تلكم الأعمال وغيرها الكثير ، حصد الراحل إزاءها جوائز تكريمة عدّة ، مع بقاءها منقوشة بماء الذهب في ذاكرة الشعب العربيِّ .
وها نحنُ اليومَ نقف على ضفاف هذا العطاء الزاهر ، وفي قلوبنا فخر يخالطه غصَّةٌ على حكاية الإبداع المنقضية النَّحب باكرًا..
وحدّتنا حيًّا وميِّتًا..فرحمات الله تغشاك صبحًا ومساءًا ،ياحاتمُ.
ونعيمُ الجنَّة وأمانها ، يَهَبُهُما بكرمه لك الإله الأعظمُ.
ولُطفًا وجبرًا وسُلوانًا ، على ذويك وطلَّابك ومُحِبّيك يتنزّلُ.
والحمدُ لله ربِّنا..الذي لايُحمدُ على مكروه سواه.