في عالم يفاخِر كثيرًا بالمظاهر، ويتراكَض كثيرٌ من شبابه وفتياته خلف الشكليَّات، ويتعاجلون في تفسير الأمور –مهما عَظُمَت- من خلال القُشُور، تجد الألسنة لا تتورَّع عن التَّدخل السريع فيما لا يعنيهم، وإيقاع الأذى البالغ في المجتمعات التي تعتبرهم قدوة.. تجد الواحد منهم ينطلق مع كل وسم (هاشتاق) انطلق ضد جنس الرِّجال أو النِّساء، وأنشأه بعض التَّافهين لمقارنة نساء مجتمعه بنساء مجتمعات أخرى؛ إمعانًا في رسم صورة مشوَّهة عن أهله ومجتمعه ووطنه!!
إن سهولة النَّشر في وسائل التَّواصل الاجتماعي، وتَصدُّر كثيرٍ ممن لا يجيد سوى إضحاك المتابعين بأي سبيل حتى لو كان على حساب قيمه أو دينه أو وطنه؛ أسهَم في هدم كثير من المفاهيم العميقة ومنها مسألة (التَّعدُّد) التي ظُلمت من خلال المسلسلات والمسرحيَّات، ثم عاد مِعوَل اليوم أشدّ فشَرَع يهدم ما تبقى من صورتها الحسنة في نفوسِ كثيرٍ من العقلاء، حتى قابلتُ بعضَ من أُحسِنُ به الظَّن فرأيته يماري في قضيَّة التعدَّد، ثم يرى أن حسنته الوحيدة دلالته على الرُّجولة والقوَّة والسَّيطرة! وهو ما أثار هذا التَّساؤل: هل التعدد بالفعل رجولة؟
إذا كانت الرجولةُ تعني: الوفاءَ بالمسؤوليات، وتحمل الصِّعاب، والتحلِّي بالصَّبر والوفاء والعفَّة والشَّهامة؛ فإن من أقدم على التَّعدد بحقِّه من الرجال وأقام العدل فهو داخل في هذا، أما من أقدم على التَّعدد نكايةً في زوجته، أو رغبة في مكانة اجتماعيَّة تُرتجى فسيجري خلف سراب ثم لا يلبث الزَّمن أن يفترَّ له عن مشاكل لا تنتهي، وأوجاعٍ لا تختفي، ثم إنه حين يُغلق بابه لن يتحمل النَّاس عنه مسؤولياته، وإذا سُئِل في آخرته لن ينفعه فلان وعلان.. إن الرُّجولة بحق تكمن في قدرة المعدِّد على التَّحلي بالحزم والحنان في آنٍ، فالحزم يبقي للبيت قوامه الذي يحيا به، ويقطع الطريق على شياطين الجن والإنس، ووساوس النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، على ألا يكون الحزم هو الحَكَم في كل موقف، والحنان يُكسب الحياة سكينة، ويحقق المودة بين الزوجين، ويُخفي تداعيات الخلافات الروتينيَّة المعهودة.. إنَّنا في هذه القضيَّة خصوصًا أحوج ما نكون لقُدوات رائعة، وتجارب معاصرة ناجحة، تكون نماذج تُحتذى، وبكثرتها في المجتمع نستطيع تصحيح التَّصورات المغلوطة حول التَّعدُّد والمعددين ..
الرُّجولة أن ينجح الزَّوج في زواجه الأول، ثم حين يُقدم على التَّعدد يُكرِّر نجاحه، لا أن يخسر نجاحه الأول ليحاول بناء نجاحٍ جديد!
الرُّجولة أن يختلف مع زوجته، لكنه لا يتعدى بالسباب والشتائم، ولا يُدخل في المشكلة من ليس فيها من والد زوجته أو والدتها أو أقاربها، أو أقاربه..
الرُّجولة أن تَغضَب زوجتك.. وتهجُرك.. وهي موقنةٌ في قرارة ذاتها أن قلبكَ لها مسكن حقيقي، فتعود إليك بأخلاقك التي جذبتها، لا بقوتك التي أجبرتها..
الرجولة أن تصل العلاقة الزوجية بينكما إلى الانتهاء، ويبقى الفَضل قائمًا بينكما، فلا تذكرها إلا بخير، ولا تحدِّث أبناءَها إلا بطيب أفعالها، والجميل من تاريخها..
تلك –أيها الأزواج الرائعون- صفات لا يرتقي في معارِجها إلا الموفق، “ومَا يُلقَّها إلا الَّذينَ صَبرُوا وما يُلقَّاهَا إلا ذُو حَظٍ عَظيم”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤلِّف، وباحث لغوي واجتماعي
masayed31@