يَا لَيْتَ لِلشِّعْرِ الْمُنَمَّقِ تَعْشَقُ
لَكَتَبْتُ شِعْرًا لَا يُنَالُ وَيُسْبَقُ
وَدَعَوْتُ جِنَّ الشِّعْرِ كُلَّ وُفُودِهِمْ
فَأَتَتْ إِلَيَّ جُيُوشُهَا تَتَدَفَّقُ
وَلَكَانَ أَيْقَظْتُ الْفَطَاحِلَ كُلَّهُمْ
مِنْ عَهْدِ آدَمَ حِينَ بَانَ الْمَنْطِقُ
لَأَتَى إِلَيَّ نَوَابِغٌ وَفُحُولُهَا
مِمَّنْ قَصَائِدُهُمْ تُجَلُّ تُعَلَّقُ
بِدْءً مِنَ الْكِنْدِيِّ حَامِلِ رَايَةٍ
مِنْ خَلْفِهِ زُمَرُ الْقَوَافِلِ تَلْحَقُ
وَلَهُمْ صَهِيلٌ لَا يُشَقُّ غُبَارُهُمْ
فِي كُلِّ قَافِيَةٍ حُرُوفٌ تُوثَقُ
حَتَّى أَتَوْا زَمَنِي وَمَرْبَطَ نَاقَتِي
وَلَدَى خِيَامِي قَدْ أَنَاخَ الْفَيْلَقُ
فَهُنَا جَرَيرٌ قَدْ أَتَى وَرُوَاتُهُ
وَهُنَاكَ قَدْ حَمَلَ الدُّوَاةَ فَرَزْدَقُ
وَابْنُ الْحُسَيْنِ أَتَى يَجُرُّ ذُيُولَهَ
قُرْطَاسُهُ أَقْلَامُهُ وَالْمِبْرَقُ
وَكَأَنَّ حَافِظَ حَافِظٌ لِمَوَدَّتِي
وَكَأَنَّ شَوْقِي لِلِّقَا يَتَشَوَّقُ
كُلٌّ يُعَانِقُنِي وَيَبْسُطُ كَفَّهُ
فَالْأَمْرُ أَمْرُكَ فَالْبَيَانُ مُطَوَّقُ
فَهُنَا طُلُولٌ إِنْ تَشَاءُ وُقُوفَهَا
وَإِذَا تَشَاءُ فَأَنْهُرٌ وَخَوَرْنَقُ
أَوْ بِالْحَدَائِقِ إِذْ يَتِيهُ رَبِيعُهَا
وَزُهُورُهَا وَبِهَا النَّدَى تَتَفَتَّقُ
وَكَأَنَّ لِي لَيْلَى أَتِيهُ بِحُبِّهَا
وَبُثَيْنَةٌ تُبْدِي الْغَرَامَ وَتَعْشَقُ
أَوْ عَزَّةٌ حَرَّى أُبَادِلُهَا الْهَوَى
وَكَذَاكَ عَبْلَةُ بِالْمَحَبَّةِ تَرْمُقُ
وَكَذَاكَ عَفْرَاءٌ تَحِنُّ وَعُتْبَةٌ
وَلَّادَةٌ زَيْدُونُهَا فَمُطَلَّقُ
لَكِنَّنِي عِفْتُ الْغَرَامَ مَعَ الْهَوَى
إِلَّا الَّتِي قَلْبِي لَهَا يَتَعَشَّقُ
وَصَدَدْتُ كُلَّ الْعَاشِقَاتِ وَلَمْ أَمِلْ
إِلَّا إِلَى تِلْكَ الَّتِي لَا تَرْفَقُ
لَوْ نِلْتُ مِنْهَا الْحُبَّ أُصْبِحُ شَاعِرًا
يَجْرِي بِمِضْمَارِ الْهَوَى لَا يُلْحَقُ
لَوْ أَنَّهَا قَبِلَتْ بِنَبْضِ مَحَبَّتِي
إِذْ كَانَ قَلْبِي بِالْمَحَبَّةِ يَخْفِقُ
لَكَتَبْتُ فِيهَا مَا يَرِقُّ لِعَيْنِهَا
تُصْغِي إِلَيْهِ طُيُورُهَا وَتُصَفِّقُ
وَكَتَبْتُ مَا يَأْتِي الزَّمَانُ وَمَا مَضَى
وَعُيُونُ بَحْرِ الشِّعْرِ فِيَّ تُحَدِّقُ
وَمَلَئْتُ شَهْدَ الْحُبِّ كُلَّ إِنَائِهَا
صَفْوًا نَقِيًّا سَلْسَلًا يُتَذَوَّقُ
وَلَكَانَ قَيْسٌ كَاللُّبَابِ جُنُونُهُ
وَلَكَانَ عَنْتَرُ كَالْجَبَانِ يُحَمَّقُ
وَلَكُنْتُ أَشْعَرَ مَنْ يَسِيرُ عَلَى الثَّرَى
كُلُّ الْقَصَائِدِ فِي الْهَوَى سَتُمَزَّقُ
لَكِنَّهَا صَدَّتْ وَرَدَّتْ وَرْدَتِي
كَيْفَ الْوُرُودُ إِذَا الْمَشَاعِرُ تُغْلَقُ
مِنْ أَيِّ نَبْعٍ أَسْتَقِي لِدَفَاتِرِي
مَهْمَا أَقُولُ فَإِنَّنِي سَأُهَرْطِقُ
نَامُوا فَقَدْ نَامَتْ فَتِيلُ قَصَائِدِي
وَوُقُودُ أُغْنِيَتِي فَكَيْفَ أُصَفِّقُ
عُودُوا مَعَ الشُّكْرِ الْجَزِيلِ قَوَافِلِي
فَلَرُبَّمَا يَوْمٌ يَجِيءُ فَأَغْدَقُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 شعبان 1442هــ