العيد فرحة ..وفرحة العيد سرور وبهاء وبهجة ..وهناء ومحبة وتواصل والفة .. ففي العيد يفرح الجميع بتصافح القلوب للقلوب..
ففرحة العيد .. فرحة بتمام صيام رمضان.. فهو يوم فرح للصائم بتوزيع جوائز القبول باذن الله تعالى .. فيكون عيد الفطر الذي “حرم الإسلام صيام يومه”، كما هو – أي يوم العيد – فرحة للحاج بعد الوقوف ب “عرفة ” والحج عرفة .. فيكون عيدا “تغفر فيه الذنوب” ، وقد حبب الإسلام صيامه لغير الحاج فصيام يوم عرفه “مكفرا لمن صامه لسنتين – سنة قبلها وسنة بعدها -كما جاء في الحديث الشريف ” اما الحاج فقد وعده المولى سبحانه وتعالى بتطهيره من الذنوب .. ليرجع كيوم ولدته امه .. فيكون العيد حينها.. فرحا بيوم الحج الاكبر
عن فرحة العيد وعن عيد رمضان الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم ..ستصافح حروفنا قلوبكم .. لنبحر معا عبر هذه الأسطر مع مظاهر العيد في مكة المكرمة خلال نصف قرن مضت..
حيث كانت مظاهر الاستعداد للعيد تبدا مع أواخر الشهر الفضيل ..فتعج الأسواق بالحركة خاصة تلك الاسواق القريبة من الحرم.. ليغتنم الناس فرصة صلاة الترويح ثم يذهبون للتسوق وشراء بعض الحاجيات والمستلزمات الخاصة بالعيد .. ولعل من اكثر الاسواق ارتيادا في ذاك الوقت .. كان “سوق المدعى – وما جاورها “من أسواق كالجودرية والغزة وسويقه وسوق الليل وغيرها، إضافة الى اسواق العتيبية واسواق شارع المنصور ، وذلك قبل انتشار مولات العزيزية واسواق الستين ، حيث تزدحم الذاكرة بصور بانورامية لتلك الاسواق خاصة الاسواق العتيقة منها بما تحمله من عبق للذكرى والذكريات.. ففي سوق المدعى كانت الاقمشة بأنواعها وألوانها “وبيع الأحذية – أكرمكم الله -بمختلف أنواعها ، منها ما يكون تفصيل محلي ..ومنها المستوردة ” فكان نوع حذاء- الباتا ” من المستورد هو الأكثر طلبا، فيما كان يكثر الطلب المحلي على نوع “الحذاء الشرقي ” او ما يعرف ” بالزبيريه” كون معظم من كان يعمل في صنعتها من اهل الزبير او من” نجد ” الذين يطلق عليهم في مكة “الشروق ” وهي أحذية غالية الثمن وتمتاز بالجودة قبل ان تكتظ الأسواق بإنتاج العمالة” الهندية والباكستانية” او استيراد الاف الانواع من البضائع المصنعة بالألة .. ليتركها اهل الصنعة للعمالة الوافدة ..كغيرها من المهن بعد ان أصبحت لا تغطي تكاليفها.. ولعل من اكثر المحلات ارتيادا قبل العيد أيضا كان محل ” غتر العطار ” الموجود في المدعى فقد ارتبط لبس الغترة البيضاء بالرجل المكي خاصة عند ذهابه لصلاة العيد، كما كان للخياطين والحلاقين نصيب من هذا الاستعداد ..ولأهل مكة عادة قديمة فقد كانو يقسمون الشهر الى ثلاث مواسم فالعشرة الأول خصصت للجزارين ،والوسطى موسم للخياطين ، اما الاخيرة فهي موسم الحلاقين و قد يتداخل هنا موسم الخياطين مع عشرة الحلاقين خاصة في اليومين او اليوم الأخير من رمضان، وقد يتخلل هذا اليوم الكثير من المواقف والأحداث الدرامية خاصة عندما يكون الشهر غير مكتمل او يعلن دخول شوال في وقت متأخر من الليل .. وهنا قد لا يستطيع الخياط الوفاء بتسليم ما لديه من ثياب العيد .. وثوب العيد هو اهم شيئ لدى الناس في هذا الوقت ..وكثيرا ما تهرب او هرب بعض الخياطين في تلك الليلة عن الأنظار مختفين لما بعد العيد ،وذلك حفاظا على سلامتهم من اي تبعات مما قد يصدر من عملائهم نتيجة التأخير ، فيضطر ” الزبون المسكين” العودة إلى بيته والحزن يكسو قلبه .. بعد ان يكون قد فقد الأمل في الذهاب لصلاة العيد “بثوب العيد – الجديد – الذي تغنى وتغزل فيه أصحاب الزومال عند لعبة المزمار مرددين “بابا اشترى لي ثوب العيد “، وللمزمار في ايام العيد وقفة حيث يبداء الشباب وخاصة بعض فتوات الحارة بلعب المزمار بعد صلاة “المشهد” والناس عائدين من الحرم فيشاركهم من يرغب بالمشاركة او الاكتفاء بالوقوف والاسمتاع بالفرجة والمشاهدة .. وهنا تمتزج ألحان المزمار مع تهانى المهنئين ودعواتهم بالقبول من الجميع، بان يتقبل الله من الجميع صومهم وصالح أعمالهم .. وعيدكم مبارك .. وعساكم من عواده ..وغيرها من الدعوات ..فيما يتزاحم بعض المارة على بائعي اللقيمات” والزلابية” المنتشرة في كل شوارع مكة لشراء شيء منها محرصينه بأن لا ينسى وضع ” الشيرة ” وسلطة الكراث مع الحمر .. والزلابية نوع من المعجنات ارتبط بافطار اليوم الاول خاصة في العيد المكي ..فيما تجد الاطفال ممسكين بهداياهم المتنوعة وان كان أكثرها البالونات بأنواعها المختلفة وحلوى خدود البنات او “حلاوة قطن ” .. فيما يجتمع بعض الأهل في إفطار عائلي غالبا ما يكون عند كبير العائلة في بيت الجد او الجدة اوالخال او في بيت العم او بيت الأخ الأكبر ..وتكون الدبيازة وهي عمدة السفرة في الإفطار المكي في اول ايام العيد ..فلا تكاد تجد بيت من بيوتات مكة.. الا وللدبيازة نصيب في سفرتهم الى جانب الزلابية والنواشف من أنواع الحلاوة كالطحينية والشامية والهريسة واللبنية وغيرها مما يعرف “بالتعتيمه ” ومنها الجبنة بأنواعها والزيتون- عيون الجمل – المحدق بالليمون والثوم والفلفل الأخضر مع شي من زيت الزيتون ليضفي عليه نكهة مميزة .. اضافة الى الامبه وانواع الطراشي وغير ذلك من الاكلات المكية المعروفة كالندي والمقادم وغيرها مما لذا وطاب .. لتبدا بعدها معايدة الأطفال وإدخال البهجة في نفوسهم بتوزيع العيديات عليهم وتوزيع الحلوى المختلطة بالحمص وانوع المكسرات الممزوج بطبطاب الجنة والحلاوة بقرة وغير ذلك من انواع الحلوى المختلطة بشي من النقود ..لتكون حصيلة ما يجمعه الطفل ثمنا لركوب المراجيح المنتشرة في الكثير من برحات مكة، او عند ذهابهم لمحلات الالعاب كمحل” موريقا “للالعاب وتأجير الدبابات .. والذي ربما يعد من أقدم محلات الملاهي في مكة ، فيما كان البعض يتوجه لمدينة جدة لمنطقة العيدروس ” بالقرب من وسط البلد والمشهورة بالمراجيح وأنواع الألعاب المختلفة..
اما في مساء العيد فقد كان يقام ما يسمى ب “البرزات” حيث تقوم كل حارة بأشرف عمدة المحلة او الحارة بعمل برزة يجتمع فيها اهل الحي .. يقيمون فيها عيدهم ومعايدتهم و في بعضها كان يقام بعض الالعاب الشعبية وانواع من الغناء والطرب وقد كان “يشرف” بضم الياء وفتح الشين وكسر الراء، هذه الاحتفالات او “البرزات “كبار المسؤولين في مكة، وقد أدركت سمو الأمير أحمد بت عبد العزير عندما كان نائبا لأمير مكة المكرمة وهو يشارك أصحاب البرزات مع عمد الأحياء عيدهم .. اما الالعاب فكانت المراجيح هي سيدة الموقف وقد كانت تنصب منذ شهر رمضان او قبل ذلك بقليل وكانت تحظى بالأقبال المتزايد خاصة من الفتيان والشباب، ومن المصطلحات التي كانت تردد مع العاب هذه المراجيح كلمة “نفحتين وجلس” كإشارة لقرب انتهاء الوقت ” وكان بعض الحرريفة من ممارسي اللعبة يصلون ” الجو ” او المداد سريعا بل بعضهم يقلب لوح الجلوس على المداد ..وبعضهم يمارس النفل وهو إسقاط من معه ممن على اللوح..
ثم جاءت مدن الألعاب الحديثة، فكانت” مدينة ألعاب بدرة” في حدائق الزاهر ..والعاب حديقة المسفلة وحديقة الرصيفة وقد سبقها ” العاب منتزه كيلو عشرة بجدة” المعروفة بملاهي ” لونا بارك” جدة ،وقد كانت ملاهي راقية جدا بما تتضمنه من العاب حديثة تضاهي المواهب العالمية في مصر ولبنان وسوريا وذلك قبل التوسع في مدن الألعاب كمدينة العاب عطا الله والسندباد على كورنيش جدة ..وغيرها من مدن و محلات للألعاب التي انتشرت في كل مكان لتزرع البهجة والفرح والسرور في النفوس خاصة في ايام العيد السعيد ..وكل عام وانتم بخير ..عيدكم مبارك وعساكم من عواده ..ونسال الله ان يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال وان يجعلنا واياكم من المقبولين الفائزين ..انه سميع مجيب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب وناقد صحفي