قبل أنْ نتكلمَ عنْ المستقبلِ لابد منْ أنْ نتطرقَ للتاريخِ . فالحياةُ السياسيةُ عبارةً عنْ دائرةٍ مليئةٍ بالأحداثِ التاريخيةِ. منذ ما يقرب من 200 عام، كانت الصين تمثل ثلث الاقتصاد العالمي، وكانت أوروبا كلها حوالي 25% وكانت الولايات المتحدة غير مهمة لأنها تشكل ” 2% فقط من اقتصاد العالم. ثم كيف تحول العالم؟ تحول العالم بسبب الحروب، حيث خاضت القوى العظمى في أوروبا حربين عالميتين الأولي والثانية، ودخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الأولي والثانية في استراتيجية ” الدخول في الوقت البدل الضائع في هذه الحروب، لكي تستفيد عالميا وتحصل على أقل نسبه من الضرر. ثم أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى وأكبر اقتصاد في العالم”.
هنا نستنتج بأن التغيرات المستقبلية لن تحدث إلا من خلال الأزمات. ومستقبلا، ستصاب الولايات المتحدة الأمريكية بالصدمة من مستقبلها، وخاصة بأن الكثير من الخبراء المتخصصين في الشؤون الأمريكية، وصناع القرار في أمريكا، والأساتذة والسياسيين الأمريكيين يعرفون ما يخبئه المستقبل من مفاجئات للولايات المتحدة الأمريكية. ومن أهم هذه المفاجآت هي ” التغيرات الاجتماعية السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية”.
تُظهر توقعات مكتب الإحصاء أن سكان الولايات المتحدة سيكونون البيض ما بين 2040 و2050 الأقلية، ومن المتوقع بأن يكون عدد الأطفال غير البيض أكثر من الأطفال البيض في الولايات المتحدة في المستقبل، بمعنى أن نمو السكان غير البيض بسرعة أكبر من السكان البيض. وهذه التغيرات سوف تؤثر على اختيار صناع القرار في الكونغرس والبيت الأبيض، والوزراء والمسؤولين في الولايات والأهم التأثير على نهج وقوة الحزب الجمهوري والديمقراطي. وهذه التغيرات السياسية الاجتماعية تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي، والمتضرر الأول هو الحزب “الجمهوري” مستقبلا من هذه الحقائق والتغيرات. والأهم هو المحافظة على علاقتنا التاريخية ومصالحنا المستقبلية في ظل التغيرات القادمة.
وهذه التغيرات الاجتماعية السياسية لها سلبيات وإيجابيات على مصالحنا المستقبلية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأن لم تدرس وتتابع وتحلل هذه التغيرات من قبل متخصصين في الشؤون الأمريكية فسوف يفاجئنا المستقبل بالمخاطر والمتغيرات والتأثيرات على مصالحنا المستقبلية. والدراسات الاستراتيجية والتحليل السياسي الواقعي هو مثل التشخيص الطبي المبكر للحالة لدراستها ومعرفة التعامل مع هذه الحالة، قبل وقوع الفأس برأس. العلاقات “السعودية الأمريكية” مهمه، والأهم هو المحافظة على مصالحنا مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل التغيرات السياسية. المستقبل بأمس الحاجة إلى التحليل الواقعي من قبل عقول متخصصة في الشؤون الأمريكية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*خبير سياسي في الشؤون الأمريكية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المدير التنفيذي لمعهد كويزار الدولي بواشنطن العاصمة
zeyad9999@