لعل من أقدم الآثار التي جاءت عن مفهوم الشعر عند العرب ما قاله عبدالله بن رواحة رضي الله عنه :” شيء يختلج في صدري فينطق به لساني”
الشعر إحساس وخلجات في النفس توقدها المواقف والعواطف ( حزن ، فرح، …) فتنطلق هذه المشاعر والأحاسيس استجابة للمثير وهو ما يسمى عند علماء النفس ( مثير واستجابة ) .
يقول شوقي :
والشعرُ دمعٌ ووجدانٌ وعاطفةٌ يا ليتَ شعريَ هل قلتُ الذي أَجِدُ
ما أحسن أن تكون العاطفة قوية وصادقة !
وهنا يحضر قول حسان رضي الله عنه :
وَإِنَّ أصدَقَ بَــيــتٍ أَنــتَ قــائِلُهُ بَـيـتٌ يُـقـالَ إِذا أَنـشَـدتَهُ صَـدَقـا
الشعر ثقافة وتاريخ فهو ديوان العرب يقول شوقي :
والشِّعرُ إن لَم يَكُنْ ذِكْرىٰ وعاطِفَةً أو حِكمَةً، فَهْوَ: تقطيعٌ وأوزانُ
الشعر إمتاع وإشباع ، يولِّد العواطف إذا حَسُن الخيال، وناسب الحال، احتفل وزان المقال، فلكل مقام مقال، سحره عظيم، وقائله حكيم، يمثِّل عقل صاحبه فيعرضه على الناس ، ليعرفوا ما فيه من مشاعر وحكمة، وإحساس ، يقول حسان رضي الله عنه :
وَإِنَّمـا الشِـعـرُ لُبُّ المَـرءِ يَعرِضُه عَلى المَجالِسِ إِن كَيساً وَإِن حُمُقا
تعبير عن حالات النفس الشاعرة، وسلوة وكنز للنفس السامعة ، يترنم به المسافر في سفره ، والعامل في عمله ، كتاب لمن أراد طرق باب الثقافة ومهم لمن اتصف باللباقة والكياسة، تعشقه الآذان وقت المحافل والطرب ، يقول الزهاوي :
إذَا الشِّعرُ لَم يَهزُزكَ عِندَ سَمَاعِهِ فَليسَ خَليقاً أَن يُقَالَ لَهُ شِعرُ
حفظ الأحداث على مر العصور ، فمن حفظه وقرأه استقام لسانه واستطاع العبور، فتوسعت المدارك ، وللهفوات تدارك ، يعالج القضايا ، ويشفي الرزايا ، إذا عُلِّم للصبية اتسعت لديهم الآفاق ، وسبقوا الزملاء والأقران ، يحيي بحِكمه النفس والقلب ، ويشحذ الذهن واللب ، يحث على المكارم ، وينهى عن الأذى والمحارم ، حفظ اللسان العربي وعلَّم الإعراب ، كأنما هو الذهب الخالص إذا توشح به الخطاب ، إنه مصدر المعرفة، وطريق إلى فهم القرآن والسنة ، ووعاء اللغة ، والسبيل إلى إظهار كلمة الحق، وفضح الباطل ، ووسيلة إعلامية، ودعائية.
ولعلي أختم بما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “تحفّظوا الأشعار، وطالعوا الأخبار، فإن الشعر يدعو إلى مكارم الأخلاق، ويُعلّم محاسن الأعمال، ويبعث على جليل الفعال، ويفتق الفطنة، ويشحذ القريحة، وينهى عن الأخلاق الدنيئة، ويزجر عن مواقعة الريب، ويحضّ على معالي الرتب”