أكثر ما لفت انتباهي في شخصية الفنان والمنتج السعودي الذكي طلال السدر غياب الأنا عن حديثه وسيطرة نون الجماعة عليه، سواء كان هذا الحديث عام في ظهور إعلامي أو خاص مع معجبيه وأصدقاءه، دائما لاحظت قلة حديثه عن نفسه وشخصه، في مقابل كثرة حديثه عن أعماله وطاقم العمل فيها من الصغير للكبير، لم ينسب قط نجاح لنفسه منفردًا وإنما أعتاد أن ينسبه لطاقم العمل بالكامل، وهي طريقه مختلفة وعبقرية على غير المألوف والمعتاد ممن في مجاله، أو في مجال الفن والأدب والإبداع بشكل عام، لقد فطن السدر إلى أن الأعمال الجيدة المتميزة هي التي تخّلد وتُخلّد أصحابها معها، وليست أملاءات الأنا التي دفعت بمعظم المبدعين والناجحين بتوظيف منجزاتهم وأعمالهم للتسويق للذات والحفاظ على البريق، فنجدهم لا يضيعون فرصة للحديث عن أنفسهم لأنهم لا يمتلكون أهداف ومبادئ حقيقة يتبنوها وإنما أهداف وهمية هي بمثابة أقنعة وعكازات يتكئون عليها للوصول لأهداف شخصية بحته لا تخدم أحداً غيرهم، وحتى أن قدموا بعض الخدمات في مشاريعهم وأعمالهم للغير فهي لا تخرج من دائرة الفائدة والمصلحة المتبادلة على مبدأ خذ وهات.
لقد اندهشت في بادئ الأمر خاصة مع قوة منجزاته وإبداعه، ولكن عندما قرأت أحد حواراته القديمة، ولمست مستوى الشفافية العالي الذي تحدث به زالت دهشتي، وأدركت أننا أمام مبدع حقيقي، يتبنى مبادئ حقيقية وأهداف نبيلة أكدت صدقه وإخلاصه لفنه ووطنه وللدراما السعودية التي نجح بكل عبقريه في تحريرها من إطار التقليدية والإملاءات والتنظير الممل الجامد، الذي سيطر عليها منذ بدايتها وكان سببا في أحجام الجماهير عن متابعتها، باستثناء أعمال عميد الدراما السعودية الفنان الراحل محمد حمزة، وبعض الأعمال الجيدة القليلة، لقد استطاع الذكي طلال السدر أن يكسر القالب، ويسجل حضورا واعداً للدراما السعودية أحتل الصفوف الأولى في الدراما العربية، وهو لم يقدم أعمالا جيدة بمضمون هادف وإنتاج ضخم وأداء مميز وحسب، بل قدمها بشكل مختلف يحاكي لغة العصر ويواكب تطلعات جمهور اليوم بدون ابتذال أو تقديم تنازلات تضر بجوهر العمل كما يفعل البعض، بل بارتقاء وتوظيف تقني وصل لمستوى عالمي في جودته، وأضيف بأنه الوحيد الذي نجح في نقل أبهار شاشة السينما في الأكشن والإثارة إلى الشاشة الصغيرة بإتقان شديد وحرفية عاليه تُسجل له قبل أن تُسجل لأعماله، وأن كنت أعلم أن شخص مثله قد يعترض على جملتي هذه ويقدم أعماله عليه كما يفعل دائماً.
ومن الأمور التي لا أستطيع أن أكتب مقالاً عن السدر دون أن أتطرق للحديث عنها كي أنصفه وأعطيه حقه قدر ما أستطيع، نضاله للتصدي لكل من يسعى للنجاح على حساب الدراما السعودية والمنتج والفنان السعودي وكل موهبة حقيقية لا تطلب شيئاً سوى فرصة الظهور، والعجيب أنه بدأ مشوار نضاله منذ بداياته الأولى، غير آبه بما قد يجره عليه نضاله هذا وتصدره مشهد التحدي والمواجه للقرصنة والفساد من مكائد ومصائد قد تعرقل مسيرته، بل قد تئدها في مهدها، ولكنه كان مؤمنا بمبادئه ومخلصاً لها ولأحلامه وطموحاته وأحلام وطموحات الموهوبين اللذين لا حول لهم ولا قوة، حتى أثبت اليوم للجميع بأن البقاء للأجدر والأجود والأصدق.
والحقيقة أن السدر لم يكن وفياً لمبادئه وأهدافه والدراما السعودية فقط، بل وفياً أيضاً للمواهب الشابة التي ظهرت واشتهرت من خلال الفرص التي قدمها لهم سواء ممثلين اوحتى مخرجين وفنيين، فعلى عكس باقي المنتجين الذين يبحثون عن كبار النجوم دائما لضمان نجاح أعمالهم وارتفاع نسبة المشاهدة كون الممثلين ركيزة أساسية لنجاح أي عمل، راهن السدر على المواهب الجديدة التي أكتشفها وآمن بها ودعمها للظهور دون أن يبخسهم شيئا من حقوقهم الفنية والمادية، وهو بذلك لم يخدمهم فقد بل خدم أيضاً الدراما السعودية التي تحتاج بالفعل لوجوه شابه مبدعة تكمل مسيرة العطاء والإبداع.
وحتى في تلك الجزئية نجد ذكاءه الفني حاضر، من خلال تحقيقه لعنصر الموازنة الذي يحرص عليه دائما، وذلك بأنه لا يتكأ على الوجوه الشابة فقط، بل يعمد دائما لإيجاد صفين من الممثلين في أعماله، صف من الفنانين الكبار وصف من الممثلين الجدد متيحاً لهم الفرصة للاستفادة من خبرة النجوم الكبار، وممكن أن نلحظ ذلك جلياً في مسلسله الاستثنائي”اختراق” فإلى جانب الوجوه الشابة الجديدة التي قدمها في المسلسل نجد صفاً من النجوم الكبار أمثال الفنان محمد بكر، والفنان نضال نجم، والفنانة ديمة الجندي وغيرهم، وهنا يبرز لنا جانب آخر استثمره السدر ووظفه توظيفاً جيداً في أعماله، وهو حرصه على مشاركة عدد مننجوم العالم العربي مما يعزز عنصر تبادل الخبرات، وهو عنصر غاية في الأهمية ويسهم في صقل المواهب الشابة، خاصة وأن مشاركة النجوم العرب في أعماله جاءت لأسبابدرامية أستلزمها النص وفكرة العمل وليست مقحمة كما يفعل البعض.
أعتقد الآن وضح لمن يقرأ المقال لماذا اخترت له لقب الذكي، بل أنه يتصف بأخطر أنواع الذكاء وهو الذكاء المتكأ على الوعي والفهم، المستهدف للكمال، والقائم على الصدق والشفافية، وأجزم بأن بصماته الفنية الحقيقة سيبنى عليها نوع جديد من الدراما العربية سيكون هو المسيطر مستقبلا، وسيدخله التاريخ لا محالة.
التعليقات 1
1 pings
بومحمد
24/06/2021 في 2:31 م[3] رابط التعليق
مقال في منتهى الروعه ةالشفافيه