“متع لحاظك في النجوم وحسنها..فلسوف تمضي والكواكب باقية” إيليا أبي ماضي.
لا بأس إن تعثرنا مرةً أو مرتين ، لا بأس لو بكينا سنة من أصل ثلاثين سنة، لا بأس لو لم تكن تلك الفرصة -التي كان أغلب الظن بأنها فرصة العمر- من نصيب غيرنا، لا بأس أن تحلم في النهار أو أن تفتح المظلة في الصيف، لماذا؟
لأنك ستنهض ثم تكف عن البكاء فتضحك ثم تحاول من جديد حتى تأتيك نفس الفرصة ولكن في وقتها، تتعثر ثم تنهض، تبكي ثم تضحك، تفقد ثم تكسب، النهار والليل، البرد والحر والشتاء والصيف، كلها أضدادٌ لكنها تعني الحياة.
فكيف لنا أن نعتبر المنح حياة والمحن أيضاً حياة؟، حين نحيا حياة هانئة فإن ذلك لا يتنافى مع كون الحياة تضم بعضاً من المنغصات، إنما الحياة لا تخلو مما قد يكدر صفوها إلا أن ذلك لا يعني أن نتعرى فكرياً ونحجب عن عقولنا وأبصارنا جماليات الحياة التي تحيط بنا وتحتضننا، ولا أن نتجاهل الهِبات التي تأتينا على هيئة مَنقَصة أو أَذية، كما نتصورها وكما تخيل إلينا، إلا أننا لو رفعنا عن بصرنا الغشاء وعن بصيرتنا الحجاب لأيقنا ما تحمله من عطايا.
كثيراً ما نمر بمواقف وأحداث في الحياة نظن بأنها ستتمكن منا لدرجة أننا لن نبرأ منها ولن نتجاوزها ، وكثيراً ما تمر بنا لحظات تشعرنا بأن الكون بإتساعه لا يتعدى أن يكون قطعة من زجاج صممت على مقاسنا، لا نستطيع أن نتحرك فيها أو نغير اتجاهنا، بل نظن بأنها تتآكل شيئا فشيئا حتى نكاد أن نتلاشى معها, أو نظن بأن الجدران من حولنا يتضاءل حجمها حتى تكاد أن تخنقنا بينما نحن مكبَّلون بسلاسل من حديد لا نستطيع معها الحراك, إلا أننا في نهاية الأمر نتجاوزها وتبدأ تلك اللحظات بالتلاشي من ذاكرتنا متى ما سمحنا لها بذلك، وعلى النقيض من ذلك قد تبقى تلك الذكريات وتلك المواقف وقد تزداد حدَّة رغم انقضاءها، ليس لأنها اقوى منا بل لأننا قررنا أن نستسلم لها وآمنا بأننا ضعفاء وبأنه يتوجب علينا أن نعيش بقية عمرنا مع الجراح والندبات ونتعايش معها وكأنها جزء لا يتجزأ من أجسادنا وأرواحنا وعقولنا ايضا.
ولكن لابد وأن نقف هنا, نقف عند ذلك الحد الذي تخلينا فيه عن روحنا، ونعقد معها الصلح بأن نعيدها لواقع أجمل ولفكر وعقل أنقى ولحياة تكون فيها روحنا العنصر الأهم بل تكون روحنا هي الحياة، فإن وقعنا في متاهات الحياة أو تُهنا في زحامها أرشدتنا أرواحنا إلى الطريق الصحيح، يجب أن نكون موقنين بأن كل مُرٍ سيمُر و بأن كل عسر سيستحيل يسر، فالزمن لا يقف عند ساعة معينة ولا الكون يهتز لموقف قد مر بك، وكلما حضَأَت الهموم واحتدَّت الجمها وأكمل الحياة متشبثاً فيما تبقى لديك من أملٍ بأن القادم أجمل وبأن كل دمعة ستحرقها إبتسامة وكل همٍ ستجليه استقامة، استقامتك الفكرية والروحية بأن ما مررت به من محن هي غلاف فقط لمنحٍ كتب لك أن تنعم بها بعد أن تشعر بقيمتها ، واسأل نفسك على الدوام لو لم يمر بك ذلك الموقف ولو لم تعش تلك اللحظات التي كانت بالنسبة لك لحظات مميتة من أين لك أن تكتسب القوة على مواجهة بقية المواقف واستصغارها ، حتى وإن ظننت بأنك في كل لحظة ضعف كنت تفقد جزءاً من روحك، اعلم بأن مقابل ذلك كانت روحك تتشكل وفق ما تتطلبه الأيام القادمة وبأن ما تهالك من روحك ليس سوى الجانب المظلم والأجزاء الضعيفة المرهقة التي لا تعدو أن تكون ثقلاً اضافياً على كاهلك، أما ما تبقى من روحك فهو ما سيعينك على إكمال المسير، لذا لا بأس من بعض الحزن مقابل جيشٍ من المناعة ضده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*اعلامية عمانية