يُزعم أن النظام العالمي الجديد أو NWO هو حكومة عالمية دكتاتورية سرية ناشئة من خلال نظريات المؤامرة المختلفة.
الجانب الخلفي من الختم العظيم للولايات المتحدة (1776). العبارة اللاتينية ” novus ordo seclorum “، التي تظهر على الجانب الخلفي من الختم العظيم منذ عام 1782 وعلى ظهر الدولار الأمريكي منذ عام 1935، تترجم إلى “ترتيب جديد للعصور”.. Lewis and Short, A Latin Dictionary.
وتلمح إلى بداية حقبة تكون فيها الولايات المتحدة الأمريكية دولة قومية مستقلة ؛ يزعم منظري المؤامرة أن هذا إشارة إلى “النظام العالمي الجديد”.
الموضوع المشترك في نظريات المؤامرة حول النظام العالمي الجديد هو أن نخبة القوة السرية ذات الأجندة العالمية تتآمر لحكم العالم في نهاية المطاف من خلال حكومة عالمية استبدادية – والتي ستحل محل الدول القومية ذات السيادة – وبروباغندا شاملة تشمل إيديولوجيتها يشيد بإنشاء النظام العالمي الجديد باعتباره تتويجا لتقدم التاريخ. لذلك، زُعم أن العديد من الشخصيات التاريخية والمعاصرة المؤثرة جزء من عصابة تعمل من خلال العديد من المنظمات الأمامية لتنظيم الأحداث السياسية والمالية الهامة، التي تتراوح من التسبب في أزمات نظامية إلى دفع السياسات المثيرة للجدل، على المستويين الوطني والدولي، كخطوات في مؤامرة مستمرة لتحقيق الهيمنة على العالم.
قبل أوائل التسعينات، كانت نظرية المؤامرة للنظام العالمي الجديد تقتصر على ثقافتين أمريكيتين متضادتين، في المقام الأول اليمين المناهض للحكومة بشكل عسكري، وثانيًا ذلك الجزء من المسيحية الأصولية المعنية بظهور المسيح الدجال في نهاية المطاف. لاحظ المشككون، مثل مايكل باركون وشيب بيرلت، أن نظريات المؤامرة الشعبوية اليمينية حول النظام العالمي الجديد لم يتم تبنيها من قبل العديد من الباحثين عن المعرفة الموصومة فحسب، بل انغمست في الثقافة الشعبية، وبالتالي افتتحت فترة خلال أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين في الولايات المتحدة حيث يستعد الناس بنشاط لسيناريوهات الألفية المروعة. يشعر هؤلاء العلماء السياسيون بالقلق من أن الهستيريا الجماعية حول نظريات المؤامرة للنظام العالمي الجديد يمكن أن يكون لها في نهاية المطاف آثار مدمرة على الحياة السياسية الأمريكية، تتراوح من تصاعد الإرهاب الذئب الوحيد إلى صعود الديماغوجيين المتطرفين إلى السلطة.
ويسعى الباحث الهندي المتخصص في العلاقات الدكتور سيتاكانتا ميشرا إلى تحديد الملامح الرئيسية للنظام العالمي الجديد ما بعد «كوفيد – 19»، والذي ربما سيكون، حسب رأيه، غير واضح بالكامل خلال العامين المقبلين. ويقول في كتابه «النظام العالمي ما بعد الجائحة»، إنه إذا استمر غياب القوى الأميركية والأوروبية عن تشكيل وحدة عالمية كما هو معتاد، فربما تغتنم الصين والهند هذه الفرصة للبدء في وضع قواعد جديدة والشروع في اتخاذ إجراءات تتوافق ورؤية كل منهما للحوكمة العالمية، ويرى الكاتب في مؤلفه الذي صدرت نسخته العربية حديثاً عن مكتبة الإسكندرية وترجمتها المصرية ريهام صالح خفاجي، أن النظام العالمي الجديد وشيك التشكل، ويجب أن تتطلع الهند إلى ما هو أبعد من النظام الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، من خلال منافستها الصين تارة والتعاون معها تارة أخرى؛ وذلك من أجل توجيه النظام العالمي لصالحهما في صورة «نظام عالمي صيني – هندي».. حمدي عابدين، جريدة الشرق الاوسط.
ويقول العالم الهندي، رغم أنه من السابق لأوانه الاستدلال على الملامح الدقيقة للنظام العالمي ما بعد «كوفيد – 19»، فإنه بالنظر إلى سياسة القوة التي بدأت تتجلى للعيان، خاصة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ودول فاعلة أخرى مثل روسيا وإيران وبعض الدول الأوروبية، يبدو أن شكل التسلسل الهرمي الحالي للسلطة العالمية لن يدوم طويلاً بعد ما أدرك الجميع عدم وجود دولة قوية بما يكفي لتقدم نموذجاً للقيادة وقت الأزمات على المستوى العالمي حالياً.
ويذكر ميشرا، أن الفكرة الشائعة التي تقول إن الحوكمة الديمقراطية هي أفضل الطرق لمواجهة الأزمات، صارت فكرة خاوية، وأن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو دحض الاعتقاد بأن القوة العظمى حاضرة في كل ركن من أركان العالم، ولديها الرغبة في السيطرة على النتائج العالمية، لكن الجائحة تحدت هذا الاعتقاد، وفشلت أمامها كل القوى العظمى المعروفة في عصرنا الحالي، ففي الوقت الذي وصفت فيه الولايات المتحدة الأميركية الجائحة بالفيروس الصيني، وتقدمت شركة أميركية بدعوى قضائية قيمتها عشرون تريليون دولار أميركي ضد الحكومة الصينية؛ بدعوى تخليقها فيروس كورونا المستجد وإطلاقه كسلاح بيولوجي، جاء قرار الصين التي تخطط للربط بين جميع أجزاء العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق بإغلاق حدودها أمام غالبية الأجانب لوقف استشراء الموجة الثانية من الفيروس؛ وهو ما جعل العالم المتشابك المترابط مغلقاً من أجل وقف انتشار الفيروس. وقد رأى كثيرون هذه السياسات بداية لتراجع العولمة أو توجهاً معاكساً للترابط العالمي يعززه اتجاه الولايات المتحدة وبعض الدول في أوروبا لأن تنأى بنفسها عن التكامل الإقليمي، وقد قامت بعزل حدودها تباعا لمنع حركات الهجرة واسعة النطاق حتى قبل انتشار الجائحة، وهو ما يشير إلى أن هيكل الحوكمة العالمية المتمركز حول الأمم المتحدة ونظام «بريتون وودز» يقع اليوم تحت ضغط شديد، ويخضع للتلاعب حتى من قِبل مناصريه أنفسهم، فصار بسبب من ذلك عديم الكفاءة، ويحتاج إلى إصلاح شامل.
وبعد تراجع العولمة المفرطة في عالم ما بعد «كورونا»، وتطلع المواطنين إلى الحكومات الوطنية لأجل حمايتهم، وأشير إلى ظهور نوع من النمو لحضارة افتراضية بسبب تقلص حركة التنقل المادي للأشخاص، بالإضافة لبزوغ تحالفات ناتجة من الأزمة والمساعدات التي قُدمت وقتها، حيث ستعمل روح التعاطف والتعاون في وقت الجائحة على تشكيل تحالفات غير مألوفة في أماكن عديدة.
وهذا بدوره سيعزز هوية الدولة في النظام العالمي الجديد، ويقوي من تماسكها.. شريطة الإلمام التام بحقيقة هذا النظام، وغاياته واهدافه؛ حتى تواكب التغيّر الأهم في هذا العصر.. فالعالم يمربعملية طويلة مؤلمة للتخلص من نظام العولمة الحالي عبر عملية تاريخية محددة سلفاً لا مفر منها، قبيل الوصول إلى نظام جديد بلا هيمنة أحادية القطب، نظامٌ يقوم على التنمية المستدامة والتعددية يعلي من قيم العدالة الاجتماعية بدلاً من الحرية الفردية ونظام القطب الواحد الذي تدور في فلكه دول العالم.
وقال تقرير لموقع «مودرن دبلوماسي»، إن الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2008-2009 والانتعاش بعد الأزمة 2010-2013، كانت إشارة واضحة على أن العولمة لم تكن عملية تسير في مسار خطي واحد، بل تتعرض لمراحل من الصعود والهبوط. وأوضح التقرير أن مهمة المجتمع الدولي العاجلة خلال العامين المقبلين يبدو أنها تتمثل في خفض التكاليف وتقليل المخاطر المرتبطة بتفكيك نظام العولمة الحالي في الاقتصاد والسياسة.
-خبير استراتيجي ومختص في العلاقات التاريخية بين الدول.