أذكر ذات يوم أنّني كنت حاضرا ندوة لمناقشة فيلم تسجيلي فرنسي للمخرجة الفرنسية
مدام ناتالي نامبو، ورأيت في أسلوب المخرجة من خلال تصويرها لمشاهد الفيلم
تثبيت عدسات الكاميرا لفترة ليست بالقصيرة على الأشخاص والأماكن
التي كانت موضوع هذا الفيلم، حتى أنّني قد خُيّل إلىّ أنّ المَشاهد عبارة عن صور فوتغرافية
تتنقل بين بعضها البعض من حين إلى آخر..
لكنّني لم أندهش كثيرا من هذا الأسلوب التصويري الذي اعتمدته المخرجة في تصويرها،
حينما تذكرت كلمات الأديبة الجزائرية السيدة أحلام مستغانمي في روايتها عابر سرير
حينما ذكرت “أنّ الصورة هي محاولة يائسة لتحنيط الزمن،
وأنّ من خلالها نحاول إيقاف إنسياب الوقت في لحظة”؛ فعلمت الغاية من هذه الإطالة
في تصوير هذه المشاهد -خاصة أنّ الفيلم كان يتحدث عن ما يعيشه اللاجئون
من معاناة في البحر المتوسط- فاعتقدت أنّها في هذا أرادت من عدساتها قتل الزمن ومحاولة إيقاف هذه المأساة.
وأيًا كان اعتقادي لفلسفة مدام نامبو الإخراجية كانت في محلّها أم لا،
فإنّ تصويرنا للأشياء قد يعني معانٍ كثيرة تدور حول المشهد الذي هو محور الصورة
وليس الغاية من تصوير شيء ما محاولة ايضاحه كما هو عليه دون قصد شيء آخر من هذه الصورة.
فهناك صور كثيرة تعبّر عن مدن وأماكن وأشياء عن طريق استخدام الرمزية في التصوير
فلكلٍ معالم ورموز تعبّر عنه بشكل أو بآخر،
فنجد مثلا صورة لرجل يحمل قفصا من الخبز فوق رأسه مستقلا درّاجته الهوائية في سرعة هائلة
منسابا بين السيارات بثقة عالية محافظا على توازنه،
وآخر يحمل صينية مليئة بأصناف طعام بين فول -وش قِدره- وطعمية والباذنجان المخلل.
فلا يكون لديك شكّ أنّ تقول بكلّ ثقة “هنا القاهرة”.
فهُناك أشياء يجب أن نراها ببصيرتنا قبل أنّ نراها ببصرنا حتى ندرك ما تحمله الصورة من حقيقة كاملة.