الحمد لله, الحمد لله, أتم النعمة على الأمة, وأكمل لها دينها, وآت الحكمة أهلها, وتمم بمحمد مكار الأخلاق كلها , وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له , شهادة نستظل بظلها ونحيا ونموت عليها , ونلقى الله بها , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , بشر الأمة وأنذرها ودلها , وسقاها بوابل القرآن وعلها , صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه, صلاة دائمة إلى يوم تضع كل ذات حمل حملها ..
أما بعد :
حكى آساً ونسرينا……وشيحاً والرياحين
تضوع في نواحينا ………. لننشق منه ما شئنا
إنه : الجادي المدوف , في صبر النبي الرؤوف عليه الصلاة والسلام..
وجادي هذه المقالة يفوق كل جادي , وعود هندي , وعنبر وردي ..
كأنه ذهب من فوق أعمدة ……….. من الزمرد في أوراق كافور
في روضة نصبت أغصانها وغدا …….. ذيل الصبا بين مرفوع ومجرور
نحن الذين بحسن الخلق قد فتحوا أقصى البلاد وبالقسطاس ساسوها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح القلوب قبل البلدان , والأرواح قبل الأشباح , شهد له عقلاء أعدائه بذالك , يقول فولتير لما ذكر عنده بعض رؤوس الملاحدة قال : العظماء هباء إذا قيسوا بمحمد ( صلى الله وسلم على نبينا محمد ) , إنهم لا يستحقون أن يكونوا صابغي أحذية عند محمد :
إي وربي كأحمد لم تكن حملت جياد ……… وما حمل العتاق على الرحال
ولا وطئ البسيطة وهو حاف …………… ولا وطئ البسيطة في نعال
كان صلى الله عليه وسلم أصبر العباد, على التعبد والإجتهاد ، صبر صلى الله عليه وسلم على عبادة ربه صبرا يبقى , لا يضل المتصف به ولا يشقى , فهو في تعبده عجب يعجب منه العجب , ولا عجب حين نعلم أن الله أمده بطاقة لا يدانيها طاقة أحد من البشر، تجلى صبره في استقامته على أمر الله ومواصلة العبادة في الحظر والسفر والصحة والسقم والسلم والحرب والسر والعلن , عبادة دائبة يقوم معها بشئون أهله , وأمور دولته , ومصالح دنياه وآخرته , مع خشوع وحسن أداء لا يطمح بشر إلى بلوغ مثله، وقرة عينه ( أم المؤمنين عائشة ) شاهدة ! مازال يقوم الليل حتى تفطرت قدماه .
صلى حذيف رضي الله عنه ذات ليلة , فافتح البقرة فقرأها , ثم النساء , ثم آل عمران , يقرأ مترسلا مسبحا سائلا متعوذا راكعا نحوا من قيامه , قائما قريبا من ركوعه , ساجادا نحوا من قيامه , بصدره أزيز كأزيز المرجل من البكا… صلى ابن مسعود معه ليلة فأطال صلاته , حتى هم ابن مسعود أن يجلس ويدعه من طول كثير ما اعتاده . . يقوم ليلة من الليالي ويقول : يا عائشة ذريني أتعبد لربي ثم تطهر وقام يصلي , فلم يزل يبكي حتى بل الأرض من حوله , وجاء بلال يئذنه لصلاة الصبح ولم يزل يبكي
دمعه من خشية الله جرى … في مصلاه يفوق الجوهرَ
وفي ليلة بدر , يقول علي : ولقد رأيتنا وما فينا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تحت شجرة يصلي ويبكي ويدعوا حتى أصبح .
عاش مرارة ولوعة اليتم في أعلى مراتبه , مات أبوه الحر في المدينة , والحمل في آمنة الأمينة , ثم توفيت أمه وقد تعلق بها قلبه , فعظم يتمه , فأمه ماتت لست سنوات من عمره ويال موت الأمهات، كفله جده وظمه ورق عليه وقدمه على بنيه مستشعرا ألم يتمه أبويه , وبعد عامين توفي جده , وفي أشد اليتم زاد مجده , توفي جده وهو يناهز الثامن من عمره , وقد عهد به إلى ابي طالب عمه ، فعمه الشقيق ظمه إليه , وكان فوق كل أحد إليه , لزمه ولم يفارقه لثلاث وأربعين , يحوطه ويذود عنه ويغضب له وينصره , ويتجرع الحصار والآلام نصرة له :
ومات عمه وزوجه الكريم ……… واعتصم النبي بالله العظيم
وبعد وفات عمه بأيام , فجع بزوجه ورفيق دربه , أول من آمن به وواساه وصدقه وخفف عنه،
تقول :
كلا بل وألف كلا ………. يامن تعين عاجزا وكلا
والله لا يخزيك رب الناس ……… ياواصل الأرحام والمواسي
أنها حمالة الحب لا حمالة الحطب , خديجة ذات العز والشرف , والدر لا يخرج إلا من صدف , فسمي ذاك العام بعام الحزن , جمعت عليه مصيبتان عظميان , إذ فقد السند الداخلي والخارجي , لاكنه لم يفقد صبره . . مات ابنه إبراهيم بين يديه , وعمره سنتان , فكان ينظر إليه وعيناه تذرفان , بدموع كالجمان , وفي ثبات ثهلان , قال في غاية البيان : إن العين تدمع, والقلب يحزن, ولا نقول إلا ما يرضي ربنا, وإنا بفراقك يا إبراهيم محزونون .
أحلف بالله أن لم يصب ………. في الناس مثل المصطفى محمد
كان صلى الله عليه وسلم أرسى من الطود المنيف وأرسخ ، في سبيل إبلاغ رسالة ربه تحمل مالم يتحمله بشر , وقابل ذالك بصبر أعمق من الصبر , لقي من من كان يدعوهم إلى الله ما يشيب النواصي ويهد الصياصي , وهو مع ذات صابر صبر المستعلي ثابت ثبات الواثق المستولي , يقول : لقد أخفت في الله وما يخاف أحد , وأوذيت في الله وما يؤذى أحد .ناصبوه العداء وآذوه أشد الإذاء , ما تركوا حيلة يظنون أن ستنفعهم ليثنوه على رسالته إلا طرقوها ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم( .
تناولوه بكل كبيرة , وقصدوه بكل جريرة , تمالأ عليه السفهاء والعظماء , بالغوا في تحديه وتأبيهم عن قبول دعوته : لن نؤمن لك حتى تجعل الصفا ذهبا .
حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا .
أو تكون لك جنة .
أو تسقط السماء .
أو تأتي بالله والملائكة .
أو يكون لك بيت من زخرف . أوترقى في السماء .
وحاله : سبحان ربي هل كنت إلأ بشرا رسولا ) . ويخيره ربه إن شئت أن تستأني بهم , وإن شئت أن تعطيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم , فسام السماء وجاوز الجوزلء , ورقى المراقي واعتلى العلياء فقال : بل أستأني بهم .
لم تكن هذه الحوادث التي مرت بمكة حديث يوم وليلة , لاكنها ظلت ثلاث عشرة عاما , لم تفتر قريش لحظة , ولم تتراجع غمضة , يزدادون كفرا وعنادا , ويزداد محمد بالحق صبرا وثباتا .
يقاوم الريح والأنواء مهتديا … بالحق لم ينحرف عنه ولم يحد
صلى عليه الله ذو الجلال ………. وصحبه وحزبه والآل
كان صلى الله عليه أصبر الناس…
طلق المحيا والخطوب عوابس ………..
فأعظم بصبر المصطفى عند ضره , إنه صبر أولي العزم من الرسل , من أنزل عليه : (واصبر على ما أصابك) . (فاصبر على ما يقولون ) . ( فاصبر إن وعد الله حق ).
صلى عليه الله ذو الجلال …….. وصحبه وحزبه والآل
كان صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق صبرا
ختاما نقول اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام إهدنل لأحسن الاخلاق والاعمال
ونسألك اللهم الاخلاص في القول والعمل اللهم يا مثبت القلوب قبت قلوينا على دينك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .
ـــــــــــــــــــــــــ
*جمعه مختصرا مع محاضرة الجادي المدوف في صبر النبي الرؤؤف