هل نعيش في ألفيَّة يصدق عليها –مجازًا- وصف أحدهم: كُلُّ شيء فيها رائع جدًا.. ولا أحد سعيد؟! كلُّ شيءٍ يتسارع، وكل تقنية تتطور نحو الأكبر والأكثر والأسرع ووو قائمة طويلة تستهدف استنزاف البشر وجعلهم يتطاولون لمدِّ أعينهم ورقابهم إلى كل جديد، وإذا تمكنوا منه هان في أيديهم وابتدؤوا جولة بحث جديدة عن ذلك الغائب المتسارع!
تأمَّلت ونظرت نظرة تحليل في محاولة اكتشاف ذلك (الفايروس) الذي يشتكي من أعراضه ونتائجه أغلب من رأيت، ومع كل شكوى أتذكر قول أبي العلاء:
كلُّ مَن لاقيتُ يشكو دهره … ليت شِعري! هذه الدارُ لِـمَن؟
توصلت إلى أنَّ ذلك (الفايروس) الذي لا يُرى بالعين المجردة يسعى لهدم عنصر معنوي واحد، وبعده يُسيطر سيطرة كاملة على تلك الرُّوح القابعة في جسدٍ ما! إنه يعمل على تعطيل (السَّكينة) في تلك الرُّوح، فإذا هو شخص هَلُوع، قليل الصَّبر، دائم الهمّ، قليل الشُّكر، ليس للقناعة مكان في حياته، وليس للراحة والاطمئنان سبيل لنفسه! ولا فرق بين أن يكون غنيًا أو فقيرًا، ذكرًا أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا.. هو لاهثٌ طامعٌ جامعٌ مانع، على قَلقٍ كأن الرِّيح تحته –على حد وصف المتنبي- ثم هو ميَّال للسَّهر، متثاقل الخُطا، شارد الذِّهن، ضعيف الحفظ، يتعجَّل الشَّر قبل وقوعه، ولا يهنأ بالخير رغم وقوعه!
تأملت في الحالة التي تجعلنا عُرضة لهجمات ذلك (الفايروس) فإذا هي مجموعة من السلوكيَّات التي نراها يسيرة لكنها سرعان ما تجتمع لتجعلنا فريسة سهلة! ألا ترى أن السكينة والسُّكون نتيجة هدوء داخلي ينعكس أثره على الحياة جميعًا؟ فكيف لطفل أن يكون هادئ النَّفس وهو لا يرى إلا المشتتات، ولا يتابع غير ألعاب السرعة ومقاطع (الأكشن) وسيارات التصادُم، وإعلانات للشباب والفتيات على إيقاعات لا تُريح نفسًا ولا تهدئ بالاً، وشعارات ملؤها السرعة والتحدي والمغامرة، وإضاءات صاخبة تصحبنا حيث سرنا، وشوارع تعجُّ بالسائقين والمتهورين، وقائمة طويلة نراها حياة طبيعيَّة وهي مشتتات وطاردات للسكينة، وباعثة على قلق الروح، واستقبال الجسد للأمراض النفسية والضغط وغيرها!! وإذا أردت –أيها الكريم وأيتها الكريمة- مصداقًا لوصفي فقارن بين حياة القُرى وحياة المدن، قارن بين حياة بلا إنترنت وشاشات وبين حياة ترتكز على الجوال ارتكازها على التَّنفًّس!
رجعت ببصري لصفحة البصيرة، وعلى عجل أدرت في ذهني التفكير عن علاج ناجع لتلك الآفة العصريَة المدمِّرة، أو التخفيف من حدِّة آثارها فإذا أنا أمام منبعٍ صافٍ، وموردٍ عذبٍ يسعى لبعث (كيمياء السَّكينة) في نفوسنا، دلَّنا عليه الوحي، بحيث يمكننا شحن بطارية السكون والسكينة باستمرار، وأخذ مضادات لمحاربة تلك الآفة.. فإذا صلاتنا والاطمئنان فيها تُعالجنا، وسلوك طريق المؤمنين الصادقين يجعل السكينة تتنزَّل على قلوبنا: “هُو الذي أنزل السكينة في قُلوب المؤمنين”، وإذا النَّوم ليلًا يحارب تلك المشتتات: “هو الذي جَعَل لكم اللَّيلَ لِتسكُنوا فيه”، وإذا الزواج السعيد يتغيَّا تحقيق السكون: “ومِن آياتهِ أن خَلقَ لكُم من أنفُسكِم أزواجًا لِتسكُنُوا إليهَا”، وقائمة طويلة ترفع الهم عن الروح، وتحفظ العقل من التخبُّط في غياهب التشتت!
أيها القارئ الكريم، والقارئة الكريمة..
للسكينة ألف نافذة، وباب واحد هو باب الاطمئنان والرِّضا القلبيّ، الذي يجلك ترى كل شيء بصورته الحقيقيَّة، فاحفظ قلبك أن يصل إليه –عبر حواسِّك- ما يؤذيه ويشتته، وتذكر أنَّ القرار لك.. ولن يستطيع أحد أن يمنعك تلك النِّعمة ما لم تُعنه أنت على ذلك.
لا تتعجل البلاء بمَنطِقِك، ولا تترقَّب السُّوء وتنتظر وقوعه، واجعل روحك تتسامى تفاؤلًا، وعملك يسعى لتصديق ذلك بمواظبة العمل، وإدمان الصَّبر، وصدق مَن قال:
احفظ لسانَك أن تقُولَ فتُبتَلَى … إنَّ البــــــــــلاءَ مُوكَّـــــــلٌ بالمنطِقِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مؤلِّف، وباحث لغوي واجتماعي
@masayed31