الحب رزق من الله مثل المال والابناء قد يعطيه الله لبعضنا ويمنعه عن آخرين لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، عندما خلق الله سيدنا آدم خلق معه الحب ويتمثل ذلك في خلق حواء، ونقف أجلال واحترام لموقف حبيبنا وقرة عيننا رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام مع السيدة خديجة حين قال ” إني رزقت حبها ” ونجد أن رسولنا الكريم عرف الحب بالرزق، فالحب فعلا رزق تماماً مثل المال والأولاد قد يعطيه الله لبعضنا ويمنعه عن آخرين لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى، ولطالما طراء موضوع أهمية الحب على الفكر والخاطر وخصوصا أنه له واقعه الذي لا نستطيع أن ننكره على حياتنا، وفي مقالي هذا سوف اتناول تلك العلاقة التي بين الطرفين الرجل والمرأة بتحليل خاص نابع من اقتناع بعيدا عن حب الأولاد وحب الأصدقاء والأهل، فالحب هنا مبني على نتائج علاقات وليس وليد اللحظة أو المشاعر، أن رجعنا لبداية الخلق لوجدنا أن العلي القدير قد جعل الحب بين الرجل والمرأة فطره فطر عليها الخلق، فأول رسالة كانت للبشرية هي أن كلاً منهما يكمل الآخر ودليلها خلق آدم عليه السلام وحواء وأول جريمة في الكون كانت بسبب الغيرة بين قابيل وهابيل، إن نشأة الحب الحقيقي دائما ما تكون وليدة اللحظة والصدفة فهي متعلق بالقدر الذي يجلب الشخص المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب لتتلاقى الأنفس وتتآلف وتنشأ عاطفة سريعة تولد السعادة والسرور في قلوب المتحابين دون جهد منهما قال عليه الصلاة والسلام ” الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف”، رغم أن الفلاسفة تناولوا مفهوم الحب بالألم فقد عرفه سقراط “بأنه خيال وتصور لا يمكن تحقيقه في دنيا الماديات وقرنه بالألم والحزن ونزع عنه مفهوم السعادة أو تحقيق السرور”، ولكن لنا في موقف سيدتنا وام المؤمنين خديجة عندما نزل عليه الوحى عليه الصلاة والسلام وجرى إليها خائفا أخذته في حضنها ونصحته بالذهاب إلى ورقة بن نوفل كان عليه الصلاة والسلام في هذه المرحلة بحاجة إلى امرأة وعندما ماتت حزن بشدة ولكن رحمة الله أوسع فأرسل إليه السيدة عائشة التي أحبها بشدة حتى إنه كان يقول ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك) حتى إنه في أيام مرضه الأخيرة عليه الصلاة والسلام طلب أن يموت بغرفتها ولفظ أنفاسه الكريمة وهو مسند رأسه على صدرها رضوان الله عليها وهنا تتجلي أروع صور الحب والمشاعر الصادقة وفنون الحب والتعامل معه كعلم ومهارة نبني بها القدرات النفسية والعقلية مما ينتج عنه حياة سليمة المبادئ، فيما سبق تناولنا الحب بين الرجل والمرأة من جانبه المشرق ولكن هناك جانب آخر للحب وهو من يستغلون مشاعر الآخرين باسم الحب أو ممن يرزقهم الله بنعمة الحب ولا يقدرونها، وقد لا يكون الابتلاء نتائج تعامل أحد الطرفين فقد يكون لأسباب أخرى منها على سبيل المثال الذكر وليس الحصر العادات والتقاليد، الارتباط، السن وغيرها، وهنا يكون أحد أطراف العلاقة أو الطرفين معا هم المبتلين بتلك العلاقة، فأن عملنا مبدأ أن الوقوع في الحب قدر مقدر علينا وذلك مبدأ أهل الفقه أن كل ما في الكون محكومٌ بقضاء الله سبحانه وتعالى ويشمل ذلك أفعال العباد من حركاتهم وتفكيرهم واختياراتهم وقلوبهم وما ينتج عن ذلك من وقوعهم في الخير والشر، ومبدأ أن الأنسان مخير وليس مسير حينها سوف نجد أنفسنا أمام سؤال يطرح نفسه هنا هل الأنسان مخير أم مسير في الحب؟ وهل وقوعه في الحب قدر أم اختيار؟ أن سر التمازج والاتصال بين الجنسين يكمن في التناسب والتوافق والتباين وعلى ذلك قام تكوين الخلق قال تعالي {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189] جعل سبحانه وتعالي علة سكون الرجل إلى أمرأه كونها من جنسه وجوهره مما يدل على أن العلة ليست بحسن الصورة ولا الموافقة في القصد والإرادة ولا في الخلق والهدي وانما في السكون والمحبة، قال ابن القيم” شريعة الله سبحانه وتعالى اقتضت ان يكون حكم الشيء حكم مثله، وأنها لا تفرق بين متماثلين أبدا ولا تجمع بين متضادين”، مهما كان تصنيف الحب نعمه أم أبتلاء فيكون ذلك التصنيف يعود إلى طرفي العلاقة وكيفية التعامل مع ظروفهم والمحيط الذي حولهم وكيفية جعل تلك المشاعر التي أنعم الله بها عليهم، فيستمر الحب بامتلاك القوة الكافية والإرادة فتقديم التضحيات بين الطرفين والاستمتاع بتلك الصعوبات وتحويلها من مصدر لطاقة سلبية إلى طاقة إيجابية وتحويل لحظات الألم إلى لحظات متعه حينها نستطيع أن نقول أن مهما كان في الحب من ابتلاء إلا أنه نعمه من نعم الله التي أكرم بها عبادة.
بندر عبد الرزاق مال
باحث دكتوراة بجامعة (مالايا) ماليزيا
باحث قانوني ومدرب قانوني معتمد
عضوية الهيئة السعودية للمحامين الانتساب الأكاديمي
عضو بلجنة التحكيم وفض المنازعات بالغرفة التجارية الصناعية بينبع
عضوية جمعية الأنظمة السعودية جامعة الملك سعود
عضوية جمعية مكافحة الاحتيال السعودية
bander.abdulrazaq.mal@gmail.com