تقول: لم أكن أتصوَّر أن يقع الانفصال بهذه البساطة! فكثيرًا ما تقع مشكلات في البيت الزَّوجي وتمرُّ بسلام، فأنا أعلم أن الحياة لا تخلو من منغصات.. وبعد التفحُّص الدقيق في سلوكيَّات تلك الزوجة في حياتها اليوميَّة، وتفاعلاتها مع المشكلات تبيَّن أن فكرة الطَّلاق كانت حاضرة في خياراتها اليوميَّة! فمثلاً لا مانع من التَّحدث بهذا الخيار في معرض حديثها عن أدنى مشكلة عارضة في حياتها الزوجيَّة مع والدتها أو إحدى قريباتها أو صويحباتها، فهو خيار قريب من لسانها مع أنها تزعم أنه خيار بعيدٌ في الواقع!
إن عقل الإنسان قد وهبه الله تعالى قدرة كبيرة على التَّحليل والتَّخزين والاستدعاء، ثم هو في كثير من اختياراته يقع أسير ما تكرر في خاطره وتلفظ به على لسانه بما يسمونه “العقل الباطن” فالمشكلة تنطلق من الذِّهن أولًا قبل أن تتشكَّل سلوكًا وتعاملًا، فإذا عاش أحد الزوجين رهين تصور معين قاده ذلك للوصول إليه، وساعده على بذل المزيد لتحقيقه، ولو أدمن أحدٌ التركيز على مشكلة ما فإن العقل بدوره سيعمل على توسيع دائرتها، ومن يعش برؤية زوجيَّة خاطئة ستكون رؤيته عن الطلاق كذلك، وستتداخل عنده المفاهيم الزَّوجيَّة الكُبرى المتعلقة بالحقوق والواجبات، القوامة والطاعة، إلى غير ذلك.
إنَّ من بديهيَّات الحياة معرفة أن الهدم أيسر من البناء، والفراق أيسر من الصَّبر على العشرة، وحين ترى زوجًا يسارع بالتَّهديد أو الطلاق فهو من داخله ضعيف لا قدرة له على مواجهة المشكلة وحَلِّها، كحال طبيب أسنان يبدأ علاج المرضى بالخلع قبل محاولة التَّصحيح! وحال من يبدأ تربية أبنائه بالضرب ورفع الصَّوت والسَّوط، في محاولة التَّصحيح السريع! وما علم أن التَّربية تقدمٌ يسير باتجاه الهدف، فالعبرة فيها بتمام النِّهايات وإن حدث نقصٌ في البدايات أو كان في العمل اعوجاج يسير، بخلاف ذلك العَجُول في بيته وأُسرته يضحى بعَجلته وقسوته كالـمُنبَتّ؛ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فهذا الـمُنبتّ الذي انقطع به السَّير في رحلته بسبب مواصلة السير بشدة، مع انعدام المرحليَّة والراحة مرة بعد أخرى؛ خسر ظَهر دابته التي تحمله، ولم يقطع السَّبيل ليصل إلى وجهته! وهكذا كلُّ من تعجَّل أمرًا محاولًا الكسب بالعنف والقسوة، لكن هيهات! وصدق شوقيّ حين قال:
لكُلِّ شيءٍ في الحياةِ وقتُهُ … وغايَةُ المستعجلينَ فَوتُه!
ثُمَّ..
هناك نغمةٌ مسموعة هذه الأيام ترفع شعارات: طلاقي انطلاقي! تطلقت وارتحت! مطلقة وأفتخر! طلاقي سر سعادتي!! ووالله إن تلك العبارات لها أعظم الآثار السيئة –خصوصًا على حديثي الزواج- وبداية عند التَّدقيق نجد أن تلك العبارات تنطلق من نفوسٍ مكلومة، وحالات تألمت كثيرًا بعد الفراق والطَّلاق، فتعتبر أنها بتلك العبارات تُنفِّس عن جراح غائرة، وتُخرج زفرات في صورة انتصارات! فواقع النَّاس اليوم يشهد أنهم لا يتحدثون عن نجاحاتهم الزوجيَّة، لكنهم يملؤون الفَضَاء شكوى وضجر، وما فئة المطلقات –في أغلبهم- إلا من هؤلاء، ما يؤكِّد أنهنَّ يَقُلن ذلك تصنعًا لا حقيقة.. والمشكلة أن تلك العبارات تُشكِّل رسائل ضمنيَّة موجعة لبيوت هانئة فتتسبب –بقصد أو دون قصد- في انهيار تلك البيوت، ثم تسارع الزَّوجة المسكينة بعد طلاقها لاهثة خلف ما حسبته انتصارًا فإذا هو سراب حسبته ماءً!!
وهنا أوجه حديثي لمجتمع الزَّوجات: إياك أن تنساقي خلف صوت الطَّلاق وفكرته، وتيقَّني أن الطَّلاق فعل لا قول، وقرار مصيري لا ورقة مكايدة، فمتى كان هذا القرار نابعًا من معاناة حقيقية تعيشينها، أو لئيم ترتاحين من طول مُداراته فهو مخرج شرعي لا وسام افتخار!.. ثم لتتأكدي أنَّ من يُذلِّل لكِ طريق الطلاق هو عونُ إبليس، ومن خيرة جنده! وفي الصَّحيح عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ إبليس يضعُ عرشَه على الماء، ثمَّ يبعثُ سراياه، فأدناهُم منه منزلةً أعظمهم فتنة، يجيءُ أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، قال: ثم يجيءُ أحدهم فيقول: ما تركتهُ حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيهِ منه ويقول: نِعمَ أنتَ”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مؤلِّف، وباحث لغوي واجتماعي
masayed31@