أصدر الكاتب أحمد الهلال كتب تحت عنوان (خريف المثقف و الربيع المتخيل)، والكتاب هو عبارة عن نقد مقولات المثقف العربي في القراءة السياسية و تحديدا لحدث كالربيع العربي وكيف كانت تلك المقولات إما متهافتة و غير موضوعية أو مصطدمة بواقع تلك المجتمعات ليصبح بعض المثقفين يعيش حالة ردة و يئس من مقولاته ويتمنى عودة النموذج القديم كما هو حال عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار الذي تمنى عودة النظام الملكي للعراق.
لتصبح مقولة ملك العراق فيصل الأول قبل 90 سنة عن الشعب العراقي ربما من أكثر المقولات توصيفا له اليوم: (أقول وقلبي ملآن أسى إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد (1933)، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية، متشعبة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة.. مستعدون دائمًا للانتفاض على أي حكومة كانت. نحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعبًا نهذبه وندربه ونعلمه. ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضًا عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين، وهذا التشكيل)
ناهيك أن هناك من المثقفين من خلق “واقعًا من خيال” وأسقطه على الثورة المصرية والتونسية، وبدأ يشخص لهذا الواقع المتخيل، وكأنه واقع تعيشه تلك المجتمعات!! كما فعل علي حرب في كتابه: (ثورات القوة الناعمة في العالم العربي) ليتحول علي حرب من “خالق للحقيقة” كما ينعت نفسه إلى “خالق للأوهام و الأساطير”.
الحقيقة التي قد تبدو اليوم ظاهرة لكل صاحب بصيرة، أن الربيع العربي عرَّى الكثير من المثقفين الذين نظَّروا، أو انخرطوا في العمل السياسي تزامنًا مع ثورات الربيع العربي، وكشف سوءتهم بصورة جلية، كما كشف عن أمراضهم بمجرد تصدرهم المشهد السياسي، بصورة قد لا تقل سوءًا عن الحاكم المستبد في تلك البلدان الذي حدثت فيها الثورات، ناهيك بالنخب السياسية التقليدية، التي ملأت آذاننا بخطاب الحرية ونقد الاستبداد لعقود قبل الربيع العربي؛ ممَّا يعني أن أمراض الحكم المستبد في تلك البلدان الثائرة هي ذاتها أمراض المعارضة، بهيكلها القديم أو الجديد، أو بصورة المثقف الذي انخرط في العمل السياسي دون تجربة سياسية سابقة للحدث، سواء ذلك المثقف كان مكتفيًا بالقراءة السياسية والتحليل، أو فاعلًا سياسيًّا في المشهد السياسي.
هل أقول إن الكثير من المثقفين والنخب السياسية سقطت أهليتها في حمل شعلة التنوير في أول تجربة عملية زلزلت المجتمعات العربية؟
لا أقول ذلك! ولكن من المؤكد أن نو الكثير منهم أو “بعضهم”، على أقل تقدير كانت لديه أنيميا واضحة في الفقه السياسي، ظهرت واضحة وجلية في أول ظاهرة سياسية استثنائية مرت بها المجتمعات العربية.