سعدت خلال زيارتي لمعرض الكتاب بالرياض الذي عقد خلال الفترة من 29 سبتمبرــــ 8 أكتوبر بزيارة عدد من أجنحة القطاعات الحكومية والمؤسسات الفكرية والثقافية ، وكان لي شرف زيارة جناح دارة الملك عبدالعزيز ، فتوقفت أمام مجموعة من الكتب والإصدارات التي لم تكن أناقة طباعتها أو عناوينها محط جذب ، بقدر ما كان محتواها الثقافي والعلمي عامل جذب للعين والعقل .
وكان من بين هذه الإصدارات التي لم أستطع مقاومة شراؤها كتاب (وثائق مكية 1044-1375هـ /1634-1955م) للباحث في التاريخ المكي الأستاذ / حسام مكاوي ، والصادر عن مركز تاريخ مكة التابع لدارة الملك عبدالعزيز ، ويحوي نحو ستة وسبعون وثيقة تاريخية صادرة عن محكمة مكة المكرمة ، وحالت ارتباطاتي العملية والأسرية دون قراءته طوال الفترة الماضية حتى جانت الفرصة ، وبدأت أقلب صفحاته بهدوء لا لقراءة محتواه ، بل للتعرف على تاريخ جميل ضم مجموعة من الوثائق التي قالها عنها الباحث في مقدمته : ” وجدت في تلك الوثائق كثيرا من الحقائق التاريخية الغائبة أو المفقودة، التي لم يعنَ بتدوينها لشهرتها في وقتها، فأدى ذلك إلى جهلنا بها في الوقت الحاضر، وهذا كون رافدا تعويضيا للقصور في كثير من جوانب التاريخ المكي المكتوب، جانب آخر مهم من التاريخ المكي أمدتنا به الوثائق، وهو التوثيق التاريخي للمصطلحات الحضارية المكية في مراحل تاريخية مختلفة، بحسب تاريخ كل وثيقة وموضوعها، فتحت مادة المصطلحات نجد توثيقا ناطقا للمنشآت العمرانية في مكة المكرمة، ووحداتها المكونة لها صغيرها وكبيرها، بداية من الدار والقصر والعُزلة والبسطة والبترة، مرورا بالخلوة والصفة والدهليز والمبيت والمخلوان والمبيت والحنِّية والروشان ودلالاتها الاصطلاحية ووظائفها، ومن ثم البيئة العمرانية لمكة، وتخطيطها وعناصرها، وما تدل عليه، وذلك عندما تذكر الوثيقة البرحة والسرحة، والمزل والسيب، والحوش والرَّبع، وكيف تكونت نتيجة لأحوال كانت موضوعية ومنطقية في حينها، وذلك نتيجة العوامل الطبيعية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ” .
والتنقل بين حارات مكة المكرمة القديمة وشوارعها وأزقتها ، والتجول في أسواقها لا يرتبط بوسيلة نقل قديمة أو حديثة ، فالباحث استخدم الصفحات لتكون وسيلة النقل التي تأخذنا في رحلة على مدى أربعة قرون ، تتعرف من خلالها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ، والعادات والتقاليد التي كانت سائدة خلال تلك الفترة .
وكما ضم الكتاب أسماء الحارات والشوارع ، والأسواق القديمة كسويقة والقشاشية، والمدعى والشامية، والغزة والفلق، فإنه لم يغب عن ذكر المدارس ، والخلاوي ، وحلقات العلماء بأروقة المسجد الحرام .
وأملي أن تسعى المؤسسات التعليمية للاعتناء بالمكتبات المدرسية ، وإعادة فتح أبوابها أمام مرتاديها من الطلاب ، ففي كتبنا كنوز يجهلها الكثير من الناشئة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com