لا أذكر تحديدًا متى كان أول حوار لي معه لكني أذكر جيدًا مدى الأثر الكبير الذي لامسته فيه منذ أن شرفت بمعرفته وفي كل مرة أجالسه
وكغيري آلمني وأسال عبرتي نبأ وفاة شيخنا المربي الفاضل المُصلح الداعية الفقيه إمام وخطيب جامع الصرافية الشيخ عبدالمحسن بن محمد البنيان -رحمه الله- عن عمر يناهز الثمانين عامًا، أحد رجالات الأحساء البارزين، تخرج من المعهد العلمي، وكان زميلًا لسيدي الوالد في المعهد، واستمرت زمالتهم حبا ومودة ودعاء وتعاونًاحتى تخرجا من الجامعة
درس بعدها بكلية الشريعة بالرياض وعمل معلمًا لمدة عامين، وانتقل بعدها إلى المحكمة الشرعية بالأحساء و صار مديرًا لمكتب رئيس المحاكم الشيخ صالح بن غصون رحمهم الله ثم تفرغ للتجارة، وافتتح مكتبة تعد ثالث ثلاث مكتبات في الأحساء في وقتها، ثم عينه سماحة مفتي المملكةالشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله مديرًا للدعوة والإرشاد في الأحساء ثم المنطقة الشرقية.
ألف كتابًا وقرظ مقدمات للعديد من كتب طلبة العلم، وله عدد من الكتب، وديوان شعري تحت الطبع .
وفي عام 1409 هـ ؛ حيث توثقت العلاقة بالشيخ من خلال مجلس إدارة هيئة الإغاثة الإسلامية والتي كلف بإدارتها من قبل صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن فهد بن جلوي آل سعود المشرف العام على مكاتب المنطقة الشرقية، وكنت واحدًا من ضمن سبعة أعضاء لمجلسه الإداري ، وكان العمل بداية انطلاقة لعمل من أجمل أيام العمر ،ومن ثم كلفني بعد تخرجي من الجامعة عام 1411 هـ بإدارتها خلفا لأخي الدكتور محمد بن عبدالله العمير الذي ابتعث من قبل جامعة الملك فيصل إلى أمريكا لمواصلة دراسته، وكان الشيخ نعم الموجه والمعين.استمرت العلاقة معه في لقاء شبه شهري علمي وودي وترفيهي كنا نستفيد من علمه وتجاربه
كان الشيخ الراحل فقيهًا عُرف بطرحه المبني على مذهب الإمام أحمد بن حنبل مع الدليل ، واختياراته والتي غالبا يؤكد فيها على رأي هيئة كبار العلماء، وكان مربيًا من حيث توجيهه اللطيف وأسلوبه الظريف، وداعية إلى الله يدعو بقالِه وحاله، وأخلاقه وسلوكه ، فهو يجمع بين الشخصية القيادية والقدرات الفردية المتمثلة في طلاقة اللسان وقوة الكلمة والحضور والثقافة الواسعة الأبعاد والقدرة على سرد المعلومات وربط آرائه بالشواهد الحاضرة.
تميز الشيخ الراحل – رحمه الله-بعلاقته الوثيقة بطلابه وأحبابه وأصدقائه، دمث الخلق، جوادًا لينًا ويعطي كل من يقابله حقه من المعاملة الحسنة وكلمات لا تخلو من النصيحة، كريم النفس، صاحب سمت ووقار ، خفيف الظل، عنده قدرة فائقة على إدارة المجلس بحكمة وروية وعلم، أعجب من قدرته على كتابة الشعر بكل يسر وعلى حفظه وتفوقه في الاستنباط واستحضار الأحكام
وقد كان الشيخ محبوبًا من الجميع؛ لأنه كان رحيمًا بهم، شفوقًا عليهم، حريصًا على تعليمهم، فقد كان يعامِلُهم معاملةَ اﻷب المربي الذي يهمه شأنُهم.
وكان الراحل خطيبًا مفوهًا مع صدق اللهجة وبساطتها والتأثير في النفوس، ظل على منبره أربعين عامًا .
كان – رحمه الله – مدرسةً تمشي على الأرض، تعلمنا من سمته وفعله قبل قوله ومنطوقه ، كان رحمه من صُناع الحياة حقًّا وصدقًا.
تُوفِّي شيخنا عبدالمحسن صباح يوم السبت 24/ 9/ 1444 هـ ، في الأحساء بمستشفى الملك فهد بعد ألم في الرئة وشيع بحشد حافل من أهله ومحبيه في مقبرة الصالحية يوم الأحد 25/ 9/ 1444 هـ . رحم الله الشيخ عبدالمحسن ، وأسكنه فسيح جناته، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وألهم أهلَه وأصحابه وطلابه الصبر والسلوان،
لقد ترك غيابه -رحمه الله- فراغًا كبيرًا في حياة الكثير ممن أحبوه وعرفوه عن قرب.
عزاؤنا موصول إلى أبناء الفقيد الاخ محمد والدكتور عبدالحميد وعبدالرحيم وعبدالعزيز وعمر ، رحم الله أبا محمد وأسكنه فسيح جناته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.اللهم ارفع منزلته في جنتك كما رفعتَ منزلته في أرضك. ويكثر من أمثاله الذين جمعوا العلم والإخلاص والرفق والتواضع
اللهم ارفع منزلته في جنتك كما رفعتَ منزلته في أرضك.
بقلم | أحمد بن حمد البوعلي
إمام وخطيب جامع علي ال ثاني