خدمة حجاج بيت الله الحرام ، والسهر على راحتهم وسلامتهم ليس حديثا يروى ، لكنه واقع يدون لتتعلم منه الأجيال ، ما كان يقدمه الآباء والأجداد من أعمال وتضحيات ليتمكن ضيوف الرحمن من أداء فريضتهم بيسر وسهولة .
وتحولت خدمة الحجاج من عمل يؤدى إلى عادة مرتبطة بالمجتمع المكي ، لها تقاليدها خاصة في داخل الأحياء ، التي صقلت المواهب ونمت القدرات ، فكانت مدرسة كبرى للشاب .
وإن كان للرجال أدور مشهودة في خدمة الحجاج ، فإن للنساء أيضا أدورا لا تقل أهمية عن الرجال ، فكانت زوجة المطوف أو ابنته أو أخته تعمل على إعداد وجبات الضيافة للحجاج اثناء وصولهم إلى مكة المكرمة ، وكانت زوجات وبنات أصحاب الحرف يشاركن في صناعة الثياب والاطعمة للحجاج ، والبعض منهن يعملن في تفصيل وخياطة الملابس التي يحر ص بعض الحجاج على شرائها كذكرى من مكة المكرمة .
وكما عرف عن المرأة المكية مشاركتها لزوجها أو والدها في خدمة الحجاج ، عرفت بفخرها واعتزازها بمشاركة زوجها وأبنائها في خدمة الحجاج ، وتأنيبها للمتخلفين عن الخدمة منهم ، فكانت المرأة ترى أنه من العيب على الرجل أو الشاب القادر على العمل البقاء في مكة المكرمة أثناء تواجد الحجاج بالمشاعر المقدسة ، لأن خدمة ضيوف الرحمن مزروع في وجدان المكيات منذ صغرهن ، وكن يقلن ” هؤلاء ضيوف الرحمن وخدمتهم وأجب علينا ” ، لذلك كان المكيون يحرصون على تعليم أبنائهم كيفية تقديم الخدمة للحاج ، ويفتحون بيوتهم للحجاج ، ويتبادلون معهم الحوارات والنقاشات الثقافية والأدبية ، ويتعاملون معهم في التجارة .
وكانت النساء ترى أنه من العيب على الرجل أن يبقى بعيدا عن خدمات الحجاج ، ولا تقبل المرأة المكية أن يبقى زوجها في مكة المكرمة يوم عرفات وعيد الضحى وأيام التشريق ، وكانت النساء إن رأينا رجلا متخلفا عن الذهاب للمشاعر المقدسة ينشدن قائلات :
قيسنا يا قيس
قيسنا يا قيس
الناس حجوا
وانت قاعد ليش
يا قيس يا قيس
قوم أذبح التيس
وفي هذا الانشاد تأنيب للمتقاعس عن خدمة الحجاج وتأنيب له ، وهي رسالة تربوية قوية في مضمونها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com