من المؤكد -كما ذكر د. فرانكل- أن مثل ھذا التساؤل قد یثیر التوتر الداخلي بدلاً من أن یثیر التوازن. ومع ذلك، ھذا التوتر شرط أساسی للصحة العقلیة، لا غنى عنه؛ ولذلك فالصحة العقلية تقوم على درجة معینة بین ما حققه المرء بالفعل وما على المرء أن یحققه.
وھذا التوتر متأصل في الإنسان، لا غنى عنه للرفاھیة العقلیة.
وذكر د. فرانكل أن ما یحتاج إليه الإنسان في الواقع لیس حیاة خالیة من التوتر، ولكن بالأحرى النضال والصراع من أجل ھدف له قیمة مھمة، یتم اختیاره بحریة.
وكما ذكر د. براون في كتابه فن اللامبالاة، الألم ھو المُعلم الحقیقي للإنسان. ومقدار الألم الذي تقدر على تحمله أو ترغب في تحمله ھو ما یحدد شخصیتك، ویحدد ھویتك.
وذكر نیتشه أن من لدیه سبب یعیش من أجله یتحمل غالبًا الحیاة كیفما كانت.
وأسهب د. فرانكل حديثه بأن الإنسان قادر على التعایش مع أي وضع كان إذا كان له ھدف في تحمُّل تلك المعاناة، أقلھا أن یبقى حیًّا.
وھناك إحدى تقنیات العلاج بالمعنى، وھي النیة المتناقضة، ومفادھا أن الخوف سیجلب ما یخشاه المرء، وأن النیة المفرطة تجعل من المستحیل تحقیق ما یرغب فیه المرء.
ولتوضیح الأمر لنأخذ على سبیل المثال حالات اضطرابات النوم؛ إذ یؤدي الخوف من الأرق إلى نیة مفرطة في النوم؛ ما یجعل الأمر مستحیلاً بسبب النیة المفرطة.. ولكن بدلاً من ذلك علیه محاولة أن یبقى مستیقظًا لأطول فترة ممكنة باستخدام تقنیة النیة المتناقضة؛ ما سیجعله ینام بشكل أسرع.
النیة المتناقضة لیست حلاً سحریًّا، ومع ذلك فإنھا ساھمت بشكل كبیر في علاج حالات الوسواس القھري والرھاب والتأتأة.. وغیرھا الكثیر.
فمثلا في حالات الوسواس بدلاً من مقاومة تلك الأفكار ومحاربتھا تتم زيادة قدرة الأفكار على إزعاجه؛ إذ إن الضغط یرسب الضغط المضاد.
باختصار، العلاج بالمعنى مھمته مساعدة المرضى لإیجاد معنى في حیاتھم، وجعلھم على درایة كاملة بمسؤولیاتھم، بقدر ما یجعلھم یدركون المعاني الخفیة لوجودھم، ویتحملون كامل المعاناة؛ فیكون الأمر عملیة تحلیلیة.. وھي طریقة حققت نجاحًا باھرًا.
بعيدًا عن كل تلك المتع، كالطعام والسفر.. وغیرهما، التي تستعبدھا النقود، فإن أكثر ما یفرح الإنسان حقیقة في ھذه الدنیا (وهي رسالة العلاج بالمعنى) ھو أن یتم الاعتراف بأنه جزء مھم من ھذا الوجود الإنساني، ویكون له تقدیر في الحیز الذي یملؤه، یتمیز فیه عن الآخرین، بامتنان لكونه هو ھو، ولیس شخصًا آخر.