هذا الجبل المكتسي بأحجار المرو البيضاء ، يقف شامخًا في أرضٍ فلاةٍ وكأنه قمرٌ في ليلةٍ سوداء يلاحقك في كل اتجاهٍ بكبرياءٍ وأنفةٍ .
يقع هذا الجبل في محافظة بيشة جنوب المملكة العربية السعودية ، وعندما تنظر إليه من بعيد ترى نفسك أمام مرآةٍ تعكس صفاء ونقاء من عاشوا حوله !
ولو تحدث هذا الجبل لحكى قصص وحكايات وشهامة وكرم ونبل من عاشوا حوله !
تجده راسيًا في مدخل المدينة وكأنه يستقبل الزائرين بحب ، ويرمز للترحيب بكل زائر غريب كان أو صديق .
لقد تغنى به الشعراء ، واهتم به الباحثون ؛ فكل ما فيه يثير الدهشة ويجلب الأنظار ، وكلما نظرت لأسفله تجد الأرض حوله وكأنها فستان عروس مطعَّم باللؤلؤ المتناثر منه ، أما قمته فلا يجاورها سوى القمر ونجومه ، والسحاب يضاهيه بلونه الأبيض وهو يمرمره يمنة ويسرة !
نشأتْ بين هذا الجبل والقمر صداقة تراها وتسمع صداها في كل ليلة يكتمل فيها القمر فيعانقه ونوره يسطع في كل اتجاهاته ، ويشع الحنين منه وهو مبتسم ومنصت لحديثه !
و في ليلة كان القمر كالكوكب الدري ونوره يشع سماء ذاك الجبل ، خاطب الجبل وقال : حدثني عن أهل هذه المنطقة ، أراهم في كل ليلة يجتمعون حولك ويمعنون النظر إليك بكل حب ، فقال له : نورك الدري لا يشابهه سوى نقاء وصفاء هؤلاء البشر ؛ فلا يوجد هنا فرق بين الغني والفقير والقوي والضعيف والغريب والقريب ؛ هم هنا كالأسرة الواحدة ، يسند بعضهم بعضًا ، ويقفون كما أقف أنا في وجه كل محنة وكل نائلة ، عشقوا الصحراء وتغنوا بها ؛ لا قصور ولا بيوت أغنتهم عن الخروج والجلوس حولي ، يجتمعون وقد اختلفت مشاعرهم وظروفهم ؛ فأحجاري البيضاء تجعل القلب يسكب كل ما فيه من هموم وأحزان ، ويفضي بها شاكيًا لي ؛ زعمًا منهم أني لن أفشي سرهم ، وهم لا يعلمون أن صدى أنينهم يدوي عاليًا ويبكيني ، والعاشق أذكّره بجمال محبوبته وطلتها الحسناء فيسرد الأشعار وينظم الأبيات بي وبمحبوبته !
ولا أخفيكم ؛ وقد كتبت تلك السطور عشقًا وحبًّا بهذا الجبل ، فقد ألفت كتابًا أسميته ( راوي على سفح جبل ) وضعت صورة هذا الجبل عليه ؛ فخرًا واعتزازًا بأني من أبناء هذه المنطقة ، فلا شي يضاهي هذا الحب إلا أبيات نزار قباني :
فاذا وقفت أمام حسنك صامتًا
فالصمت في حرم الجمال جمالُ
كلماتنا في الحب تقتل حبنا
إن الحروف تموت حين تقالُ
بقلم: هياء هديب الشهراني
جبل الصايرة
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/articles/225870/