لكل جيل اهتمامات وميول تميزه عن الجيل الذي قبله. فالجيل السابق يختلف عن الجيل الحالي في التفكير والرؤية ونمط الحياة وهذه سنة الحياة الأجيال السابقة تختلف عن التي قبلها وعجلة المجتمع لا تقف عند منعطف واحد.
وقد أكدت الدراسات الاجتماعية أن المجتمعات الإنسانية في تغير دائم وهذا التغير قد يكون في النظم الاجتماعية والعادات والتقاليد وأنماط السلوك والمعارف والعلوم. وإن سرعة التغير قد تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر. فحسب عالم الاجتماع أوغست كونت أن المجتمع الذي يقبل التغير بسرعة هو مجتمع (ديناميكي) والمجتمع الذي يقبله ببط يسمى مجتمع (استاتيكي). وعند المقارنة بين الأفراد في المجتمع الديناميكي والاستاتيكي فأنهم يعجبون بكل شيء جديد ولا ينظرون لهذا الجديد كونه صالح أو جيدا بقدر اهتمامهم بكونه جديد عليهم وعلى مجتمعهم لأنهم يرون في ذلك تميز خاص لهم واستقلالية عن غيرهم من الأجيال السابقة.
ويرى عالم الاجتماع إيميل دور كايم في كتابه (علم الاجتماع والتربية) أن التربية تقوم على أساس التنشئة الاجتماعية الممنهجة التي تمارسها الأجيال السابقة أو الراشدة على الجيل الصاعد الذي لم ينضج بعد، لمواجهة تحديات المجتمع من خلال تنمية التفاعل الفسيولوجي والفكري لدى الجيل الجديد الذي يتطلبه المحيط الثقافي والسياسي العام والوسط الاجتماعي الخاص.
وقد أشار عالم الاجتماع العربي الشهير أحمد زكي بدوي بأن التغير الاجتماعي هو كل تحول يقع في التنظيم الاجتماعي سواء في بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معينة، والتغير الاجتماعي على هذا النحو ينصب على تغير يقع في التركيب السكاني للمجتمع أو بنائه الطبقي، أو نظمه الاجتماعية أو في أنماط العلاقات الاجتماعية أو القيم والمعايير التي تؤثر في سلوك الأفراد والتي تحدد مكاناتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها.
لا يوجد مجتمع لديه وقاية ضد التغير مهما كانت القوانين صارمة ضد التغير. على سبيل المثال لا توجد دولة في العالم لديها قوانين صارمة مثل كوريا الشمالية حتى أنها تعيش شبه عزلة عن التطور الحديث في العالم إلا أن هذه القوانين وقفت عاجزة أمام بعض التغيرات الاجتماعية في المجتمع الكوري الشمالي. لأن أدوات التغير لم تكن واحدة في أي عصر من العصور ولكل حقبة أداة خاصة بها لتغير المجتمع وأفضل الوسائل التي ساهمت في تغير المجتمعات هم الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام لأن مهمتهم الأولى هي تغير المجتمعات من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وهذا التغير العظيم الذي نقى العقائد من الشرك وبقي هذا التغير مستمرا حتى بعث سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام للناس كافة وهذه العقيدة لا تقبل التغير لأنها عقيدة صالحة لكل زمان ومكان. فكل محاولة لتغير عقيدة تخالف الفطرة الإسلامية لا يكتب لها النجاح لأنها محروسة من الله عز وجل. وأما التغير في أسلوب الحياة فهي من عوامل الاستمرارية وعدم البقاء في حالة ركود اجتماعي وجمود في التعامل مع اختلاف الأجيال. ومن مساهمة الشعراء والأدباء وعلماء الدين والقادة والمخترعين والفنانين واللاعبين والإعلام التقليدي في تغير تفكير الأجيال إلى عصر التواصل الاجتماعي. فكل ما سبق من عوامل للتغير الاجتماعي كان يقودها مؤسسات أو مجموعات ولكن في عصر التواصل الاجتماعي من يقود التغير الاجتماعي أفراداً مستقلين لهم أسلوبهم الخاص ونمطهم المتفرد.
المجتمعات العربية مثلها مثل بقية المجتمعات تتأثر بوسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع السعودي ليس في مأمن من طوفان التغير . لقد كنا في الماضي نعتبر أي تغيير هو تغيير قادم من الخارج وهو غزو فكري يستهدف قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ولكن في عصر السناب شات والتيك توك وجميع وسائل التواصل الاجتماعي من يقوم بالتغير هم مجموعة مشاهير من بني جلدتنا ومن بيئتنا . فهل كل مايقوم به هؤلاء المشاهير من تغير في المجتمع يعتبر سلبي أم إيجابيي ؟
لا ننكر أو نتجاهل تأثير هؤلاء المشاهير في التغير الاجتماعي سواء كان تغيرا في السلوك أو في ثقافة المجتمع وأخلاقه وقيمه وعاداته وتقاليده. وفي مجمل الحال أن ما يمارسه هؤلاء المشاهير من تغير لا يعكس ثقافتهم الشخصية ولا نستطيع القول إنهم من أصحاب الضحالة الثقافية قد يكون منهم من يحمل درجات علمية كبيرة وشهادات جامعية ومنهم أقل من ذلك ولكنهم لا يحبذون التواصل مع متابعيهم من منظور ثقافي أو علمي لأن هذا لن يزيد في عدد المتابعين الذين يفضلون رؤية المشهور على طبيعته . وقد اقتحم عالم التواصل الاجتماعي مشاهير لم يتخرجوا من التعليم العام وبعضهم لم يتخرج من الابتدائية فعالم الشهرة لا يقف عند مرحلة عمرية معينة.
و بحسب استطلاعات الرأي لعام 2023 فقد بينت أن حوالي 84 % من الشعب السعودي لديهم حساب في السناب شات وقد قدر عدد المشتركين في السناب شات من السعوديين حوالي 21 مليون مشترك تتراوح أعمارهم ما بين 13 و34. وتزايد أعداد المشتركين في التيك توك من 24 % إلى 60 %. ومن خلال هذه النسب نتيقن مدى قوة تأثير المشاهير على الفئة الكبرى من أفراد المجتمع وهم الشباب. حتى الآن لا توجد دراسات مؤكدة عن المجالات الاجتماعية التي استطاع هؤلاء المشاهير التأثير على الشباب فيها ولكن من وجهة نظري الخاصة أن أكثر مجال استطاع المشاهير التأثير فبها هي العادات والتقاليد والانسلاخ من بعض قيم الحياء والأخلاق. لقد رأينا استغلال أغلب مشاهير االسناب شات وآلتيك توك للمراهقين وذلك بظهور المشاهير بملابس شبه عارية والتصرف بتصرفات ليس فيها ذرة من الحياء مثل الرقص المبتذل والعلاقات شبه الحميمية التي لا تحدث إلا بين الزوجين في الغرف المغلقة ومن وقاحة بعض المشاهير أنهم نقلوا الحياة الخاصة من غرف نومهم إلى شاشات الأجهزة من أجل حفنة مال وشهرة. حتى كبار السن الذين كرمهم الإسلام بوجوب احترامهم وتوقيرهم استغلهم بعض هؤلاء المشاهير للترويج للمحتوى الهابط لحسابهم. فكم رأينا آب يخرج مع بنته أو ولده في السناب شات وآلتيك توك ويجعل من نفسه أضحوكة من أجل إرضاء ابنه أو ابنته للحصول على المال وزيادة المتابعين وكذلك من استغل أبناءه من شباب وفتيات وإظهارهم بصورة يشمئز منه من في قلبه ذرة إيمان وحياء. ومن يستغل العاملات المنزلية والعمال وجعلهم مادة لمحتوى حسابه ومحاولة إضحاك المتابعين عليهم ومنهم من يستغل أمهاتهم وإظهارهم بشكل لا يخلو من الإسفاف وقلة التربية. ومن المؤسف رؤية أشخاص ذوي مكانة اجتماعية من أطباء ومهندسين ومعلمين وأكاديميين ودعاة وطلاب علم شرعي انزلقوا في وحل البحث عن الشهرة حتى أنهم ظهروا في حسابات هؤلاء المشاهير سواء في السناب شات أو التيك توك ولم يحترموا مكانتهم الاجتماعية ونزلوا لمستوى هابط لم يكن لائقا بهم.
ونرى في الدول الغربية وهي دول لا تدين بالإسلام بصلة وضعت قوانين لا تتساهل في تطبيقها إذا كان المحتوى مفتوحا لجميع الأعمار وقد اقترحت حكومات غربية بعض القوانين التي تحد من هذا الانفلات غير الأخلاقي لبعض مواقع التواصل الاجتماعي ومن هذه الحكومات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حيث اقترحت قانون (RESTRICT) لضبط محتوى وسائل التواصل الاجتماعي .
إن ما نراه من تصرفات أغلب مشاهير التواصل الاجتماعي يجعلنا نرفع إشارة وجود الخطر على المجتمع ولن يقف هذا الخطر بتحميل الأسرة مسئولية مراقبة الأبناء لأن دور الأسرة لن يكون ناجحاً إلا بتكاتف المجتمع ومقاطعة حساب كل مشهور يسيء لقيم المجتمع والتقدم ببلاغ ضد كل من يخرج بمظهر غير لائق فيه اضرار على المراهقين والأطفال لأن حكومتنا الرشيدة وضعت قوانين وضوابط لكل وسائل الأعلام ومن ضمنها وسائل التواصل الأجتماعي وأي محتوى يخالف قيم المجتمع يقوم به بعض المشاهير فأن قوانين الدولة كفيلة لإيقافه ومانراه من جهود وزارة الداخلية في متابعة كل من يحاول الاضرار بالمجتمع في وسائل التواصل الأجتماعي سواء كان هذا الضرر لفظي أو سلوكي واحالتهم للنيابة العامة حتى ان عبارة ( تم القبض ) اصبحت لزمة يتناقلها المواطنين عندما يرون أي مشهور اساء التصرف في حسابه .وكما قامت وزارة التجارة بفرض شهادة (موثوق ) على كل مشهور يريد الإعلان في حسابه وهذه الشهادة قد تلزمه بنظافة المحتوى من أي انحطاط أخلاقي والإسفاف السلوكي .فضرورة التدخل الواعي والحكيم من الجهات الرسمية من الحد من حالة التشويه الأخلاقي في وسائل التواصل الاجتماعي وعدم ترك بعض المشاهير يقودون دفة التغير الأخلاقي للمجتمع لان ذلك له آثار سلبية وخطيرة.
حفظ الله بلادنا من كل مكروه وحفظ لنا ولاة أمرنا وحفظ الله شبابنا ومجتمعنا من كل سوء.