في أول لقاء لي مع الأستاذ مصطفى عبدالواحد زقزوق ووجدت في حديثه متعة تتجاوز تلك التي أقرأها في رباعياته بجريدة المدينة ، وقصائده المنشورة في المحلق الأدبي بجريدة النـدوة ، وسعدت بلقائه في أكثر من مناسبة وموقع ، ومنها صالون شاعر مكة الأستاذ / علي أبو العلا ـ يرحمه الله ـ ، وتوطدت علاقتي به وتشرفت بزيارته في داره بمكة المكرمة ، أكثر من مرة وحضور جلساته بصحبة عدد من رجال الفكر والادب والفن .
وظل تواصلي معه قائما لعقود والحمد لله ، وقد أسعدني قبل أيام باتصاله الهاتفي الذي يخبرني فيه عن تجديد طباعة أعماله الشعرية : ( مرابع الأُنس الطبعة الثامنة ) ، ( نقشٌ على وجه القمر الطبعة السابعة ) ، ( حبيبتي مكة جديد ) ، والأعمال الأدبية والاجتماعية والثقافية التي قدمها على مدى أكثر من خمسين عاما .
وإن اسعدني باتصاله فقد شرفني بدعوة حضور الاحتفالية التي ذكرتني بشخصيته الاجتماعية المتواضعة التي لم تعلو يوما على الآخرين ، فهو ابن مكة المكرمة الذي قال عنها :
أنا ابن مكة والحنين إلى الحمى
وإلى مرد في ثراها العاطر
والأستاذ مصطفى زقزوق ـ متعه الله بالصحة والعافية ـ عرفته شخصية متواضعة تحمل الصعاب ليبني حياته ، فتنقل للقمة العيش بين مكة المكرمة والرياض ، مبتدئا حياته العملية موظفا بمكتب محمد سرور الصبان ، ثم بوزارة الداخلية في مكة المكرمة ومن بعدها بالرياض ، تكبده مشاق السفر وترك الأهل والأحباب ، أصر على بناء نفسه ولم يسع كيتيم الأب للبحث عن عطف هذا أو ذاك .
يفخر بماضيه الجميل بكل صعوباته ، وأذكر أنني سالته مرة عن الماضي ، فرد قائلا : " إنه التاريخ الذي لا ينسى ، والقاعدة التي صعدت عليها ، والرزق الذي وهبني الله إياه " ، " ولدت طفلا باحثا عن حنان الأم وعطف الأب الذي فقدته في عمر الثالثة " ، ولم اولد وفي فمي ملعقة من ذهب " .
ويصور معانته بقوله :
لا تسألي عن مدى شوقي وتحناني
أو عن عذابي وآهاتي وحرماني
أسقاني الدهر من غصاته حقبا
صرفا من المر أعياني وأبلاني
تأتي على غرة مني نوائبه
فيـا لكثـرة أشجـاني وأحـزاني
وقال عن أمُ القرَى مكة المكرمة :
هـــو الـحــبُّ مـــن "أمِّ الــقــرى"
تطـوف بـه الأنسـام حينـاً وتنشـدُ
وتَـشْـهــد أن الــلّــه لا ربَّ غــيــره
علـى منكريـه. والـرسـولُ محـمّـدُ
أقــام بـأمــر الله نـهـجـاً وشـرعــةً
محجَّـتـه البيـضـاءً تصـفـو وتـرشـدُ
لـكَـمْ دكَّ أنــفَ الكبـريـاءِ بسيـفِـه
فلا الشركُ منصوباً ولا اللاتُ تُعبـدُ
وحين ارتقى السبعَ الطباقَ تحفُّهُ
مـلائـكُ مــن نــور. وقـلـبٌ مـوحِّـدُ
وعن حياته التعليمية قال في احدى لقاءاته الصحفية " كنا كلنا لكلنا وبعضنا لبعضنا بالرضا بالمقسوم من الرزق والتعامل بوقار واحترام مع الكبار وكل اهتمامي مع إخوتي هو طاعة والدتي بعد فقد أبي وأنا في سن الثالثة من العمر ولما بلغت السادسة من العمر سجلتني ــ رحمها الله ــ في مدرسة العلوم الدينية في قمة جبل بشعب علي وكانت الدراسة فيها على فترتين من الصباح للظهر وأعود لتناول وجبة الغذاء ثم أعود للفترة الثانية وإلى ما قبل المغرب.. وعلى أيامنا لم تكن هانك كهرباء وإنما نستضيء (بلمبات) من صفيح صناعة محلية وفوانيس تضيء بالغاز وليس هناك أي مظهر من مظاهر الحاضر سوى خوفي على ثوبي (الدوت) كثياب أبناء البادية وهو الوحيد الذي أملكه، وكم تحملت شدة حرارة الرمال والأحجار التي أمشي عليها فأتدارى بظل البيوت، وكان طلاب الفصل لو بالغت في عددهم فلا يزيدون على عشرة تلاميذ إلا أن المدرسين كانت لهم رأفة بنا بلا ممارسات التهديد والوعيد وإخلاصهم في شرح ما لا نفهمه كان بأريحية وكرم نفس.. وتأتي العطلة فأتجه للمسجد الحرام لحفظ القرآن عند مدرسين متخصصين في علوم النحو والصرف وقواعد الإملاء بمقابل ربع ريال كل أسبوع ونادرا لا أملكه فأجد الصمت معذرة منهم بلا سؤال أو جواب فأجده سيد المواقف والتسامح بلا إحراج أو إهانة، تغمدهم الله بكريم عفوه ورحمته "
خلاصة القول إن الأستاذ / مصطفى زقزوق لم يكن يوما شاعرا عاديا ، فقد كان ولازال شاعر إحساس وجمال ، لا يكتب الشعر بحثا عن المال أو الشهرة ، بل يكتبه حينما يشعر أنه بحاجة لكتابته .
وما أمله أن يقتدي أبناء الجيل الحالي بما عاناه مثل هؤلاء الرجال من صبر ومشقة حتى وصلوا لما وصلوا إليه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmailcm