لا أدري من أين أبدأ ؟ وكيف أبدأ ؟ وما الذي سوف أقوله في حدث عظيم بحجم " طوفان القدس " ؟ إذ أذهلني هذا الحدث العظيم ، وجعل عقلي يكاد يفقد توازنه ، وتفكيري يسبح في فضاء لاحدود له ، وقلمي يعجز عن وصف ذلك الطوفان ، إذ سبقته الصورة المنقولة من قلب الحدث ، فلربما كانت أكثر تعبيرا ، وأدق توصيفا مما سوف يدونه القلم .
ومع ذلك سوف لن أتردد عن رسم شيء بقلمي من مشاهد ذلك الجهاد لعلي أظفر بشيء من فضل أجر المجاهد وثواب الجهاد . لقد مضت علينا بضعة عقود من الزمن ونحن نتجرع ثقافة تكريس الهزيمة من إعلام الصهاينة والغرب الصليبي وأجهزة استخباراتهم ، وكذلك من المأزومين والمتعاونين معهم من أبناء جلدتنا ، وكانوا يحاولون بما أوتوا من قوة أن يغرسوا في قلوبنا وعقولنا بذرات خبيثة ، مصنوعة من الكذب والأوهام ، منها على سبيل التمثيل لا الحصر ؛ بث الأكاذيب ونشر الإشاعات في أوساط البسطاء والعامة وضعاف الإيمان بأن الجيش الصهيوني جيش لايهزم ، وأنه قد صنع للنصر والنصر فقط ، وأن ذلك الجيش يمتلك من الدروع والدبابات والناقلات أنواعا غريبة وعجيبة ، يستحيل أن تخترقها أو الإضرار بها أي أسلحة مهما كانت قوتها ، أما عن طائراتهم المقاتلة فقد أشاعوا في أوساطنا أنها تستطيع إصابة النملة المختفية خلف الصخرة الصماء في الليلة الظلماء .
ومازلت استذكر إذ كنت مقيلا في ديوان أحد القادة ذات يوم ، بعد حرب تموز الصهيونية على لبنان ، وامتلأ الديوان بالشعراء والأدباء والكتاب والقادة ، وكان من ضمن الضيوف سفير الدولة العربية الكبرى ، فعج من في الديوان جلهم يشيدون بالمقاومة اللبنانية ، ويمتدحونها ، ويؤكدون انتصارها على الجيش الصهيوني الذي لايقهر ، وأن المقاومة اللبنانية قد أثبتت حينها أن الجيش الصهيوني في الحقيقة هو جيش كرتوني ، بل هو أوهن من بيت العنكبوت ، وهنا بدت علامات الامتعاض في وجه أخينا السفير ، وكذلك برزت عليه آيات الاستياء بادية للعيان ، وعند ذلك طلب من رب الديوان أن يأذن له بالحديث ، وأن يأمرنا نحن الحاضرين بالإنصات والاستماع ، فقال السفير إن ماقام به جيش الكيان الصهيوني في جنوب لبنان إنما هو من قبيل المسرحيات الهزلية والمقاطع الدرامية ؛ وذلك ليوفر للمواطن العربي هامشا من المعنوية ، ومساحة صغيرة للتحليلات الغبية ، أما إذا أراد أن يقوم بحرب جدية فإنه يستطيع تدمير الوطن العربي عن بكرة أبيه في ثوان معدودة ، الأمر الذي جعل الحاضرون يضحكون من حديثه - ساخرين - حتى القهقهة .
أما ماحدث من طوفان القدس في مستوطنات الكيان الصهيوني يوم أمس فإنه طوفان قام به فتية من المجاهدين المؤمنين القوامين الصوامين الصابرين ، رعتهم عين الخالق التي لاتنام ، فحققوا من المعجزات والكرامات مايجعل المأزومين والمطبعين والمثبطين يعلمون يقينا أكذوبة الجيش الذي لايقهر ، وأنه مجرد نمر من ورق ، وأسد من كراتين ، ألا يكفي أن نرى بأعيننا كيف اقتاد المجاهدون الفلسطينيون المئات من ذلك الجيش الكرتوني ، وقد أنزلوهم من بروجهم المشيدة ، وتحصيناتهم المسلحة ، وعرباتهم المدرعة ، تاركين وراءهم أسلحتهم المدمرة ، وكذلك مضى على الطوفان أحد عشر ساعة ، لم نر في أثنائها فعلا لطائراتهم المتطورة ، ولاقذيفة من مقلاع داوود ، بل حتى القبة الحديدية قد غفت غفوة طويلة إذ لم تشعر بوصول الطوفان ، ولا بشيء من أفعاله العظيمة التي مرغت أنف الجيش الذي لايقهر ، ونكست كبريائه ، وكسرت عنفوانه ، وأنهت سمعته إلى أبد الآبدين ، التي لطالما تمتع بها لعقود من الزمن ، وتغنى بها معه المنبطحون والمطبعون ، وهاهو اليوم يذل وينبطح تحت أقدام المجاهدين ، بل ينقاد المئات منه بأيديهم في حال هي أشبه ماتكون باقتيادهم لكلابهم المسعورة ذات يوم . بورك طوفان القدس وبوركت جهودكم وجهادكم وهمتكم وإرادتكم أيها الأبطال في أرض الرباط والجهاد ، فلسطين العربية .
بقلم - الدكتور عوض أحمد العلقمي
طوفان الأقصى يكشف حقيقة الجيش الذي لايقهر
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://shahdnow.sa/articles/235018/