من الصعب أن ننكر الدور الذي قامت به التكنولوجيا لتوظيف العلم والمعرفة ، ونقل تجارب الآخرين ، والتي مكنتنا على التواصل مع الآخرين دون الحاجة للسفر والترحال ، إضافة لدورها في تنمية المواهب والقدرات وفتح آفاق جديدة في حياتنا اليومية ، وإن اقتحمت التكنولوجيا المجال الإعلامي والتعليمي والصحي وغيرها ، فإنها اقتحمت أيضا حياتنا الشخصية فلم يعد التواصل مباشرا بين بعض أفراد الأسر والأصدقاء كما كان سابقا ، فوسائل التواصل الاجتماعي شكلت بتنوع برامجها حاجزا حال دون التواصل المباشر .
وإن ساهمت وسائل التواصل في سرعة نقل الأحداث والأخبار مدعمة بصورها الحديثة ، وفتحت المجال أمام الشباب والناشئة لتنمية قدراتهم ومواهبهم إلا أن البعض منهم لم يحسن استغلالها بشكل جيد ، فاعتقد أنها خير وسيلة لتفريغ شحناته ، وفرصة تمكنه من قول ما يريد ، وتوجيه التهم والإساءات للآخرين ليظهر بطل بين اقرانه ، وتحول من شخصية عادية إلى أخرى نرجسية والتي يعرفها المتخصصون بأنها " عبارة عن حالة مرَضية تؤثر على الصحة العقلية للمريض الذي ينتابه حينها شعور مبالغ فيه بأهميته ، ويحتاج إلى الاهتمام والإطراء من الآخرين بشكل زائد ويسعى إلى ذلك ، قد يفتقر الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين أو الاهتمام بها ، لكن وراء هذا القناع من الثقة المفرطة، فهم ليسوا متأكدين من تقديرهم لذاتهم ويمكن أن ينزعجوا بسهولة من أقل انتقاد " .
ولا ينحصر تأثير وسائل التواصل على ما يدونه مستخدم الوسيلة فقد ذكر د. تيم بونو، عالم النفس، ومؤلف كتاب "عندما لا تكون الإعجابات كافية"، لقناة "هيلثيستا" البريطانية، 6 ظواهر قد تؤثر سلبا على صحتنا العقلية، وهي:
1 ــ الحسد، فالوقت الذي تقضيه في مشاهدة الصور "المثالية" على منصات التواصل قد يثير غيرتك وحسدك، ويؤثر على صحتك العقلية دون أن تشعر. فقد كشف باحثون في المعهد الدانماركي لأبحاث السعادة، عام 2015، أن العديد من الأشخاص يعانون من "حسد فيسبوك" وأن من أخذوا استراحة منه لمدة أسبوع شعروا برضى عن حياتهم، وبتوتر أقل بنسبة 55%، وتحدثوا أكثر مع العائلة والأصدقاء. وفق غارديان البريطانية.
2 ــ الإدمان الذي يجعلنا نشعر بضرورة فتح فيسبوك وإنستغرام وتويتر، والقفز بينها مرارا وتكرارا، مما يسبب حالة تسمى "التمزق" تدفع الشخص لتتبع التحديثات في جميع ساعات النهار والليل.
3 ــ عدم التواصل، فمع أن أقوى مؤشر على صحتنا العقلية وسعادتنا هو قوة روابطنا مع الآخرين، لكننا سمحنا لوسائل التواصل أن تحل محل تواصلنا المباشر مع الناس، حتى أصبح مقدار الوقت الذي نخصصه للشاشة، يقابله انخفاض مماثل في كمية ونوعية صلاتنا الشخصية.
4 ــ التشويش، حيث تُلتقط أكثر من تريليون صورة سنويا حول العالم، لتظهر على منصات التواصل للفوز بإعجاب المتابعين، فتحرمنا من الاستمتاع بجوانب أخرى من الحياة تشتمل على كثير من اللحظات الشائقة وصحبة الأهل الأصدقاء، وتساهم في التشويش على ذاكرتنا الفعلية.
5 ــ عدم النوم، فالانفعال بالقلق أو الغيرة مما نراه على وسائل التواصل يُبقي الدماغ في حالة تأهب قصوى، ويحرمنا من النوم، مما يؤثر على صحتنا العقلية.
6 ــ تشتيت الانتباه، يقول د. بونو "إذا لم تستطع التخلي عن هاتفك لدقائق، فالأفضل أن تجرب قوة إرادتك لتحقيق ذلك". فكمية المعلومات التي توفرها وسائل التواصل بكل سهولة تشتت انتباهك.
والمؤسف أن نسبة من البالغين وليس المراهقون يعتقدون أنهم من خلال بثهم لمحتويات سيئة عن أشخاص سواء كانت كتابيا أو صوتيا تمثل شجاعة لهم ، متناسين أن هناك أنظمة ولوائح تحمي حقوق الأفراد الأدبية وتحافظ عليها ، ومنها " نظام مكافحة جرائم المعلوماتية " ، والذي اعتبر أن إهانة وازدراء الآخرين ، و انتهاك الخصوصية وتصوير الأشخاص أو الأماكن دون إذن من صاحبها ، وتداول الأخبار غير الصحيحة والشائعات ، وغيرها من المخالفات التي تستوجب العقوبة .
وحينما يتقدم المتضرر بشكواه للجهات المختصة ، نجدهم يتباكون ، تارة بتبرير مواقفهم وخطائهم نتيجة لورود معلومات غير صحيحة لهم ، وتارة أخرى بالاعتذار ، ومع سير القضية في إجراءاتها الرسيمة يبدأون البحث عن المؤثرين على هذه الشخصية للتنازل عن دعواه مع استعدادهم للاعتذار ، وهنا أقول أن ذهبت شجاعتكم وإساءتكم للآخرين التي كنتم تفتخرون بها ؟
وختاما أقول إن شجاعة الإنسان تتمثل فيما يقدمه من أعمال تخدم المجتمع ، وليس في اقوال تسيء للأفراد وتجعله يندم عليها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com