تَقُولُ صاحبة القصة (فلك): فَقَدَتْ أبي في مرحلة متقدمة من عمري كنت حينها في التاسعة لا أعرف ماهو الموت لكنني كنت أعلم أن أبي ذهب ولن يعود أبدا، كَبُرَتْ وَتَزَوَّجَتْ أَنْجَبَتْ من الأبناء أربع أكبرهم (نور) إبني الذي حول حياتي في يوم ضعف، كبر معي حنيني لوجود سند وحنان الأب الذي كنت أسمع عنه فقط ولم أراه يوما من صديقاتي وقريباتي المقربات إلي، في يوم زواجي بَكَيْتُ كثيرا لأنني أفتقد تلك الفرحة الممزوجة بالخوف لأب يخاف على طفلته التي ستذهب مع رجل وبداخله الكثير من التساؤلات هل سيسعدها أم لا؟ وهل سيعتني بها كما اعتنيت بها أنا ام لا؟ وهل سيكرمها؟ وهل؟ وهل؟، في كل مشكلة تصادفني بعد الزواج لا أعرف لمن أشكي أو حتى من يكون ناصحا لزوجي أو قد يشد عليه في الكلام حتى يرخي حبال الشدة علي علمنا بأن أمي مريضة وكبيرة في السن ووالديه توفيا من فترة بسيطة وأخوتي لا يقطنون معي في نفس المدينة وهم أيضا لديهم الكثير من المشاكل وأمور الحياة التي تكفيهم لم أرد زيادة الاحمال عليهم، تِخْبِأتْ من تلك الألآم وراء وريقات تمتص دموعي وقلم حبر جاف يسطر ما يجول بداخلي من مشاعر نعم هذا مريح نسبيا لكنه لا يكفي باحتوائي كليا فبوح المشاعر لمن لا يشاطرك الإحساس قسوة بحد ذاتها
ذات يوم خرج (عمر) زوجي بعد مُشَاجَرَة مُعْتَادَةٍ بَيْنَنَا دخلت لغرفتي باكية وبداخلي أُرَدِّدُ أبي أحتاجك ولو لثواني في هذه الأثناء دخل أبني نور مستيقظا من صوت الصراخ اِقْتَرَبَ مني ووضع يده على وجنتي ثم قال: أمي لماذا تبكين هذا أبي وقد اِعْتَدَتِ عليه لا تحزني أنا بجانبك كان (نور) حينها في العاشرة نَظَرْتُ إليه وابتسمت من التعجب قلت له أتكون أبي أنا أحتاج إلى أب ودون شعور بدأت أتحدث بإسهاب عما يدور بداخلي من مشاعر وتراكمات السنين (طبعا بما يناسب عمره) والغريب كانت أول ليلة أنام فيها وأنا أشعر بإحساس مختلف في اليوم التالي قررتْ فعلاً أنْ ألبسَ ابني ثوبَ أبي حتى أسد فيه هذا الفراغ الكبير، أَصْبَحَتْ أكلف (نور) ببعض المهام التي توازى سنه وتشبع احتياجي كدفع المبالغ عند زيارة المدارس ورتبت مواعيدي في العمل ليتمكن من احضاري يوميا مع السائق بعد خروجه من المدرسة من المضحك أني كنت أقول لزميلاتي في العمل إن والدي من يحضرني يوميا من وإلى العمل كُنَّ يسَخِّرنَا مَنِيٌّ ، ولكنني كنت في غاية السعادة ، وبعد كل فترة أزيد مستوى المسؤوليات كتحديد مواعيد ، ووجهات الرحلات الأسرية ، والتفاوض مع الباعة ، وعمال الصيانة… إلخ و (عمر) كان كثير الغياب بحكم زواجه من امرأة أخرى وعمله في مدينة بالقرب من مدينتنا
توالت السنين و(نور) أصبح أبي وأب لإخوته الثلاث (يزيد) و (صفاء) و (هالة)، أثبتت لي هذه التجربة أننا مَادُمْنَا أحياء هناك آمال تولد من أفكار صغيرة حتى لو كانت للبعض تافهة فاحتياجاتنا مختلفة ، ورغباتنا ليس لتحقيقها طريقة واحدة ، لكل منّا طريقه لكن الهدف هو الوصول فقط ، ألبست إبني ثوب أبي وانتهى ذاك الشعور المزعج لسنين،
….. مُلَاحَظَة : مَا زَالَ وَالِدِي بِدَاخِلِي خَالِدْ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل وتزويد الكاتبة بمزيد من القصص
bdwnnqatfwasl@gmail.com