في الحلقة الأولى تحدثت عن حي المسفلة من الناحية التاريخية ، واليوم أتحدث عنه من الجانب الشخصي ليس كأحد سكانه ، بل كشاهد على قمة الأدب والاحترام والتقدير الذي كان يكنه الصغير للكبير ، والمكانة العالية لبعض الشخصيات الاجتماعية والتي لم تكن من ذوي الأملاك أو المناصب الوظيفية ، لكنهم كانوا من ذوي القلوب الرحيمة الحريصة على سعادة الآخرين .
ولا أريد أن أكرر ما تناولته من قبل عن حي المسفلة ، لكني أتحدث اليوم عن اصالة سكانه وحرصهم على الوقوف مع الضعيف ، وكسوة الفقير واليتيم ، وقبل ان أبدأ في حديثي أتوقف أمام زقاق الحافظ حيث كان دارنا بهذا الزقاق المواجه لما يعرف ببستان البخاري ، وبستان البخاري مصطلح عامي لوقف اشتراه الشيخ رحيم بيردي بأي بين أورته بأي الأنديجاني ؛ بألف روبية هندية في 21 /11/ 1305هـ ، وجعله وقفا لخدمة حجاج بيت الله الحرام من أهل أنديجان ، ومن خلال بحثي وجدت أن " شرط الواقف فيه أن يكون : وقفاً على الحجاج الواردين إلى بيت الله الحرام من أهل أنديجان والمجاورين منهم بمكة المكرمة ، يكون لهم السكن فيه ، وإذا انقرضوا عن آخرهم : يكون وقفاً على مصالح الحرم المكي الشريف .
وتكون نظارة الوقف : إلى "إبراهيم بن عبد الرسول فاضل باي الأنديجاني"، ثم من بعده إلى يكون النظر لابنه " إسماعيل " ، ثم يكون من بعده النظر على هذا الوقف للأفقه والأعلم من أهل أنديجان ، وإذا آل الوقف إلى مصالح الحرم المكي الشريف يكون النظر حينئذ لمدير الحرم المكي الشريف "
وإن كان الخروج من الزقاق يسارا يؤدي إلى أسفل المسفلة حيث سوق الخضار والفواكه المعروف بـــ " المنشية " ، وفوقها توجد المدرسة الناصرية الابتدائية ، والتي درست بها المرحلة الابتدائية وكان مديرها الأستاذ أحمد حسن خياط ـ يرحمه الله ـ .
وإن واصلت المسير للأسفل فإنني سأتجه نحو منطقة سكنية كانت فيما مضى تضم بابور الكعكي ، والبابور بالاصطلاح العامي تعني " الباخرة " ، ويقال أن سبب تسمية بابور الكعكي بهذا الاسم لأن صوت المواتير تشبه لحد كبير صوت السفن ، ومواصلة المسيرة جنوبا ستأخذنا صوب قهوة عبدالحي ، الواقعة بالقرب من بركة "ماجن" ، وهي وإن كانت عبارة عن مقهي لتقديم الشاي وشيش الجراك ـ الذي كان سائدا خلال تلك الفترة ـ ، فإنها كانت عبارة عن ملتقى ثقافي وادبي إذ كان يرتادها العديد من الأدباء ومنهم عبدالله عريف ، محمد حسين زيدان ، عبدالرزاق بليلة ، صالح محمد جمال ، عبدالعزيز الرفاعي ـ رحمهم الله .
وبأسفل المسفلة من الناحية الثانية توجد محطة كدي ، وتعود ملكيتها لأسرة الكابلي وهي من اقدم محطات بيع البنزين والديزل بالمسفلة ، وبالقرب منها قهوة العم حسن مطر ـ يرحمه الله ـ ، وهو من الزمازمة المعروفين بمكة المكرمة .
وبعد مقهى حسن مطر يوجد مخبر بدر ويعرف بأنه مخبر آلي غير تقليدي ، وبجواره تقع مدرسة بلال بن رباح المتوسطة ، وقد درست بها المرحلة المتوسطة ، وكانت في مبنى مستأجر تعود ملكيته لعائلة الفارسي .
وسأتوقف هنا ليس لأقول موعدنا في الحلقة القادمة ، ولكن لأقول بان في كل متر بالمسفلة قصة لا ينسجها خيال ، وحكاية لا يرويها قاص ، لكنها مواقف وأحداث سجلت يصعب محوها ، ومن ابرزها ما كان يقوم به عمد الحي من خدمات للأسر المحتاجة ، فلا يشعر الطفل اليتيم بيتمه لأن العمدة كان يدعو سكان الحي الميسورين لتقديم مالديهم لهذه الأسرة وتلك ، فيتحمل هذا كسوة العيد ، والآخر مصاريف المدرسة ، والثالث كسوة المدرسة ، والرابع تأمين المأكل والمشرب لهذه الاسرة ، وكان الجميع يساهم لأنهم كانوا يشعروا بأنه وأجبهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com