الإبحار دائما يحتاج لأشرعة متينة على مركب قوي فكلاهما يكمل الأخر المركب و الأشرعة إن فقد البحار متانة أحدهما يتخبط المركب بين الأمواج ويتوه عن المرافئ الأمنة ، هكذا أنا مركب دون أشرعة لا هدى و لا طريق ـمن ولا مجاديف حتى كسيرة خائرة القوى وحيدة في هذا الحياه .
” روعه ” إسمي الذي أطلقه علي والدي الذي كان يرى الحياة أنا منحني الحب والحنان بالنسبة لي كان هو المعلم و الصديق والأب و الأخ رغم وجود سته من الإخوة الذين يكبرونني بفارق كبير فأصغرهم يكبرني بعشرة سنوات …… أمي آآآآه يا أمي إنها كجنة الله في الأرض تحمل الكثير من الجمال الداخلي والخارجي و كأن الخالق تفرد يمنحها دون بقية النساء ذاك الحسن المختلف ناعمة الملامح ، عسلية العينين بشعر بني ينسدل دوما على كتفيها ، بين أضلعها قلب كبير يجمع العالم بحب طاهر وحنان آسر , حكيمة العقل , ظريفة المنطق ، واعية ، مثقفة آآآآه ومن كجنتي .
أب رائع و أم مختلفة ، إخوة حنونين و ابنة مدلله هذه صفات عائلة الدكتور ” أحمد ” فوالدي طبيب عيون في إحدى المستشفيات الحكومية و أمي ربة منزل أما إخوتي السته لكل واحد منهم مجال وظيفي مختلف وجميعهم يسكنون معنا في نفس المدينة .ولله الحمد ترعرعت في ظل هذه الأسرة بين حب وحنان وكلي تفاني أن أكون ابنة الدكتور أحمد الوحيدة والفريدة التي لا تشبه مثيلاتها من بنات الأقارب ولا الصديقات حقا لا أشبههن إطلاقا ليس تعاليا و إنما تميزني عنهن الكثير من الأمور فغنائي بالحب والدلال كذلك الثقافة الدينية و الدنيوية حافظة لكتاب الله ولله الحمد ملمة بالأحاديث النبوية فقد كان الدكتور أحمد شديد الحرص على حلقات الذكر يوم الجمعة من كل أسبوع من بعد صلاة العصر وحتى أذان المغرب . مديحي لنفسي ليس غرورا إطلاقا بل ثقه وشكر بهبات الله لي وحمده على النعم
مادامت الحياة بهذه الروعة إذا أين الشتات وقلة الحيلة التي تحدث عنها في البداية ؟؟
أعلم أن البعض تدور في أذهانهم هذه الأسئلة ويتسلل الفضول كذلك كيف تغير حالي من حياة أشبه بالمثالية إلى شتات ؟؟
بعد تخرجي من الثانوية أرسلني والدي الدكتور أحمد لدراسة الطب في جامعة كامبريدج البريطانية على نفقته الخاصة مع دفع كامل المصاريف مقدما لأنه لطالما كان يحلم رؤيتي في متميزة في كجال أحبه ومنحه كل ما يملك من وقته وجهده . كانت هذه هديته لي في حفل تخرجي الأسري الذي فاجئوني به أعظم أسرة عرفتها .. أمي و أبي و إخوتي مع زوجاتهم والأحفاد .. كان ذاك اليوم مليء بالهدايا و المفاجئات التي توالت علي كزخات المطر وكأنني في حلم فقد كانت هداياهم كلها تدور حول رحلة الدراسة فمنهم من أهداني إيجار غرفة في منزل سيدة بريطانية و آخر هو وزوجته تكلفا بشراء الملابس وتوضيبها في الحقائب ولكم أن تتخيلوا كيف اتسعت أفكارهم إلى تدبير أدق التفاصيل حتى سيارة للتسهيل التنقل فما سهل هذا عليهم أن “ عبد الرحمن “ أخي الأوسط حصل على شهادة الماجستير في الهندسة من نفس الجامعة ،. جاء يوم الرحلة المنتظر إلا أن الدكتور أحمد وحرمه لم يتركوني وحيدة في بادئ الأمر رافقاني لثلاث شهور ثم عاد والدي وظلت أمي لشهرين أخرين ثم عادت لمنزلها فالدكتور أحمد ظل يتصل يوميا ليعبر عن شوقه ويلح على جملته بالعودة ويعبر عن شوقه لها . لا أخفي شعوري بالخوف في الليلة الأولى قضيتها بمفردي في تلك الغرفة الباردة لم أشعر بالوحدة لان والداي ظلا يحدثاني حتى خلدت للنوم أما الخوف كاد يقتلني وكأنه شبح يلاحقني في أيام غربتي فالغربة شعور موحش و المسؤولية تجاه نفسي و أهلي كانت كبيرة حمل ثقيل وتحدي صعب أن أكون دوما على قدر الثقة الممنوحة لي .
في جانب آخر من الأحداث من المهم ذكر قصه قصيرة عن الدكتور أحمد مؤلمه و غريبة بعض
الشيء توفيت عائلته بالكامل في حادث مروري أثناء سفرهم لمدينة بعيدة بعض الشيء عن مدينتنا لتأدية مراسم العزاء في خال جدتي لأبي وسبب نجاته من هذا الحادث المأساوي اعتذاره عن مصاحبتهم لاستذكاره استعدادا لاختبار مادة تشريح العيون بعد أيام ، وعلى الرغم من الفاجعة
والحزن إلا أنه قرر إكمال مشواره الدراسي وتحقيق حلو والدته الحبيبة التم لا تناديه سوى بالدكتور أحمد .
ورث والدي من أبيه منزلا متواضعا مع مزرعة للمنتجات العضوية بجوارها متجر صغيرا لبيع انتاج المزرعة ، في الحقيقة لم يكن مهتم بها كثيرا إلا أن مدخولهم المادي ممتاز ويذهب هذا العائد إلى الجمعيات الخيرية لان والدي كان ميسور الحاف ففضل ترك هذا الجزء من الدخل كصدقه جاريه لوالديه وإخوته المتوفيين .
مر على اغترابي أربع سنوات خلالها تارة أعود لأقضي الإجازة مع الأسرة في البلاد و أوقات أذهب مع والداي لعطلة في إحدى الدول و أحيان يزورني أحد إخوتي برفقة زوجته ، وهكذا مع التعواد مات شبح الخوف و نمت باذرة الثقة و القوة بداخلي .
في السنة الخامسة اتصل “ عمر “ أخي الأكبر طالبا مني المجيء لزيارة والدي المريض في المستشفى هكذا دون أي مقدمات وقال لقد حجزت لك غدا و أعطاني موعد الرحلة و أرسل لي التذكرة على البريد الإلكتروني وبالفعل توجهت صباحا إلى القسم المختص في الجامعة وطلبت منهم منحي أسبوع لزيارة والدي المريض ووعدتهم أيضا بأنني سأحضر التقارير التي تثبت ذلك حتى أن حقيبتي كانت في السيارة وتوجهت من الجامعة إلى المطار لأنتظر موعد الرحلة على الرغم من تبقي ست ساعات على الأقل عليها كلها هذا من خوفي وقلقي على حبيبي والدي ، و أخيرا تم النداء الأول لصعود الطائرة هممت مسرعة بجمع حاجياتي متوجهة للبوابة حينها بدأت دموعي تبلل وجنتاي لا أعلم لماذا ربما من الخوف الذي كان يسكنني أم أنني كان القلق ازداد بداخلي ، آآآآآه تنهدت على مقعد الطائرة و أملته للوراء قليلا ثم دخلت في نوبة بكاء تصاحبها لحظات ابتسام وشريط
وشريط ذكرياتي مع حبيبي يأخذني هناء وهناك بين أيام حلوة وأخرى صعبه ومواقف أبويه وتلك التي تحت إطار الصداقة . فتحت النافذة بعد مدة من الإقلاع وإذا بي أنظر وقت وصلنا للوطن ،
أيعقل !! كيف مضت كل هذه المدة دون أن أشعر بالوقت ؟؟
خرجت مسرعة أركض في الممرات لا أرى أحدا حقا ولا شيء سوى بوابة الجوازات ختمت جواز سفري ثم خرجت إلى صالة الاستقبال التي رأيت فيها ” أدهم ” أخي الذي يكبرني مباشرة ينتظرني أخذني في حضنه وأمسك بيدي وقال هيا يا أختي ، في السيارة ونحن في طريقنا للبيت توقف قليلنا على جانب الطريق وقال : روعه أنت إنسانه مؤمنه ، قويه وحكيمة أيضا أردت أن أقول لك هذه الكلمات قبل وصولنا حتى أهون عليك الموقف وسكت نظرت إليه عيناه ممتلئتان بالدموع و لهول الموقف لم يقوى على استكمال كلامه فقلت أنا متى الدفن يا أدهم لكنني لم أصرخ و لم أذرف
ولا دمعة واحدة ………..
يتبع ……….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاركنا قصتك على البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة
bdwnnqatfwasl@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ