وأنا أتحدث عن المسفلة كحي قديم بجنوب مكة المكرمة ، نشأت وترعرعت به ، وعشت أحلى أيام طفولتي به ، أجد نفسي عاجزا عن جمع أحرفي وتدوين كلماتي ، لأن من أتحدث عنه ليس بشخصية ، أو حدث ، أو مبنى ، لكنه حي جمع بين أحضانه طرقات وأزقة ومنازل ضمت أسرا غنية وأخرى ميسورة الحال وثالثة فقيرة ، اجتمعوا داخل الحي لا فرق بينهم في المأكل أو المشرب ، لأنهم شكلوا اسرة واحدة ، وليس اسر متعددة ، يفرحون لبعضهم البعض ، ويحزنون لما يحزن به بعضهم ، لا الغني فيهم يتكبر على الفقير ، ولا المتعلم يسئ لغير المتعلم ، هكذا كانوا أناسا بأخلاقهم وتعاملاتهم يعلمون الآخرين أسس وأصول التربية .
واليوم كلما مررت بحي المسفلة الذي أزيلت الكثير من منازله لصالح توسعة المسجد الحرام ، والطرق المؤدية إليه ، تذكرت ذلك الحي العتيق ، بجماله ومجموعة بيوته ، تذكرت الأزقة وأثرها على الحياة الاجتماعية ، التي تحدث عنها الأستاذ الدكتور حسن علي مختار في كتاب (مكة المكرمة أحب أرض الله إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)، للأستاذ الدكتور حسن بن علي مختار .
وتذكرت التسامح والمودة والاحترام المتبادل ، والدور الذي يقوم به العمدة داخل الأحياء ، ومداعبة الأمهات لأطفالهن بعد عودتهم من صلاة عيد الفطر مرتدين الثياب الجديدة فتنشد الأم قائلة:
يا مرحبا بعطر العود ترحيبة من هوى بالي
أمك أم الكرم والجود وأبوك منصب عال
وما اريد قوله وأنا أتحدث عن حي المسفلة ، أنه حي جمع جميع الطبقات ، فبين سكانه التاجر والعامل ، والمتعلم وغير المتعلم ، اختلفوا في الطبقات لكنهم توحدوا في الثقافات ، فثقافة الحي المرتبطة بخدمة الجار ومساعدة الأرملة والايتام لا يتخلفوا عليها ، هكذا كانوا سكان حي المسفلة الذي افخر بأنني عشت طفولتي وشبابي به .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتواصل ahmad.s.a@hotmail.com