خطب وأم المصلين في المسجد النبوي اليوم فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير .
وبعد أن حمد الله تعالى بدأ خطبته بقوله:
أيها المسلمون: أعظم الأرزاق حسن الأخلاق؛ والخلق الحسن غناء الفقراء وزينة الأغنياء وحلية السعداء، ومن حسنت أخلاقه درت أرزاقه ومن ساءت أخلاقه طاب فراقه وكم وضيع رفعه خلقه، ورفيع وضعه خرقه ومن حسن خلقه أراح واستراح وانجذبت نحوه الأرواح؛ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا ، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ).
وأكمل: كان رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم ذو الوجه الوضي والخلق الرضي مع ما خصه الله به من جميل الشمائل والفضائل والأخلاق الزكية والأوصاف العلية يدعو الله أن يهديه لأحسن الأخلاق ويصرف عنه سيئها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهمَّ كما حسَّنتَ خَلقي فحسِّنْ خُلُقي)
وبيّن فضيلته: الأخلاق الصالحة ثمرة العقول الراجحة ومن لانت كلمته وحسنت عشرته وجبت محبته وعظمت مودته وارتضيت صحبته وتواردت على مدحه الألسن وروت من أخباره ما يجمل ويحسن؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن أحبكُم إلي وأقربكم مِنّيِ مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنكم أخلاقًا).
وبيّن فضيلته: حسن الخلق هو القيام بالحقوق والإحسان والبر والصلة وسلامة الصدر وحسن البشر وصدق الحديث والعدل والنصفة وقبول الأعذار والعفو والمساهلة والمسامحة والتخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل وترك الخوض في أخبار الناس وتتبع أحوالهم واستقصاء أمورهم و حكاية أقوالهم وأفعالهم والبحث والتنقير والتفتيش عن أسرارهم وترك الغلظة والفظاظة والجفاء والتقطيب والعبوس وترك العجلة والعنف والطيش وأن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ولا تقابل الأخلاق السيئة بمثلها قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).
قال جعفر رضي الله عنه: (وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية)؛ وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (حسن الخلق في ثلاث خصال اجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسعة على العيال)؛ وقال عبد الله بن المبارك: (هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى)؛ وقال القاضي عياض: (حسن الخلق مخالقة الناس بالجميل، والبشر والتودد لهم، والإشفاق عليهم، واحتمالهم، والحلم عنهم، والصبر عليهم في المكاره، وترك الكبر والاستطالة عليهم، ومجانبة الغلظة والغضب والمؤاخذة).
وأضاف: ذو الخلق الظريف والأدب المنيف لا يجاري لئيمًا ولا يماري سفيهًا ولا ينازع لجوجًا ولا يكثر من العتاب ولوم الأصحاب فإن مرض ولم يُعَد أو شفع فلم يُجب أو دخل مجلسًا فلم يقدَّم أو تكلم فلم ينصت له لم يحنق ولم يحتد ولم يغضب ولم يتنكر على إخوانه ولم يظهر للناس والجلاس أنه جفي من فلان وهضم من فلان وظلم من فلان، بل يقابل ذلك بما هو أحلى وأولى وأسمى وأقرب إلى الحكمة والرحمة والعفو والمسامحة.
وأوضح فضيلته: سوء الخلق والمشارسة والمشاكسة والمعاسرة والزعارة دليل الخذلان والحرمان ومن ساءت أخلاقه وعظم كبرياؤه واستحسن حال نفسه واستحقر من دونه سقطت مكانته وطالت ندامته وذهبت كرامته والشرس الشكس الضرس الكز الغليظ الذي يتبزعر على الناس ويتكبر وينظر إليهم شزرًا ويمشي بينهم متبخترًا ولا ينطلق لهم وجهه ولا يسعهم خُلُقه ولا يرى لأحد حقًا ولا فضلاً فذلك الذي لا يزداد من الله إلا بعدًا ولا من الناس إلا بغضًا.
فاحذروا أخلاق اللئام والأنذال والأوباش والسقاط والسفلة، قال ابن حبان: ” وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها وخلق سيئ فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: الأخلاق طبيعة وجبلة وغريزة وقد تكتسب بالتخلق والتكلف والمجاهدة وتحصل بالمعاشرة والمجالسة وتعتاد بالتهذيب والتأديب حتى تكون ملكة وسجية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ ، و مَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ ، و مَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ).
وتغيير الطباع السيئة والأخلاق الرذيلة والعادات القبيحة داخل في حيز المكنة والقدرة والاستطاعة، ومن ابتلي بشيء من ذلك وعزم على التغيير وصدق في طلب الغاية وجاهد وصابر رجي الخروج من كل خلق رديء والظفر بكل خلق سَني؛ فارغبوا في مكارم الأخلاق ومعاليها وتعالوا عن سفاسفها ومساوئها.